Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-4)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤر } أيها الإنسان اللبيب ، الرشيد ، اللائق للرسالة العامة ، والرئاسة الكلية الكاملة الشاملة على كافة البرايا { تِلْكَ } الآيات المنزلة في هذه السورة { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } [ يونس : 1 ] أي : بعض آيات الكتاب الإلهي الذي هو حضرة علمه ولوح قضائه ، ناطقة بالصدق والصواب على مقتضى الحكمة المتقنة الإلهية ، نازلة من عنده ، لتصديقك وتأييدك يا أكمل الرسل في تبشيراتك وإنذاراتك ، ونبوتك ورسالتك وإرشادك لأهل الغي والضلال . { أَكَانَ لِلنَّاسِ } الناسين بطلان هوياتهم { عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ } ألهمنا من محض فضلنا وجودنا { إِلَىٰ رَجُلٍ } ناشئ { مِّنْهُمْ } وظهر من جنسهم وبني نوعهم { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } المنهمكين في الغي والضلال بمقتضى أهوية هوياتكم الباطلة ، وماهياتهم العاطلة ، تعجباً ناشئاً عن محض الغفلة والنسيان ، والإعراض عن الحق ، والانحراف عن طريق التوحيد وجادة الإسلام { وَبَشِّرِ } منهم أهل المحبة والولاء ؛ يعني : { ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وأيقنوا برسالتك وإرشادك بوحدة ذات الحق واستقلاله في الوجود ، وما يترفع عليه من الأسماء والصفات ، والآثار المترتبة عليها ، والشئون المتجددة بها { أَنَّ لَهُمْ } أي : بأن لهم { قَدَمَ صِدْقٍ } أي : إقدام صادق ، وقدم راسخ ثابت في جادة التوحيد ، وإرادة خالصة . وصاروا { عِندَ رَبِّهِمْ } من السابقين المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ثم لمَّا ظهر أمر الرسالة وعلا قدره ، وشاع دينه وكثر أتباعه { قَالَ ٱلْكَافِرُونَ } المصرون على الشرك والفساد من خبث طينتهم ، وشدة بغضهم وشكيمتهم بعدما أبصروا منه خوارق عجزوا عنها ، سيما القرآن الكامل في الإعجاز البالغ أعلى مراتب البلاغة : { إِنَّ هَـٰذَا } المدعي للنبوة والرسالة { لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } [ يونس : 2 ] ظاهر متفرد في فن السحر ، وحيد في عصره فيه ، ومن قرأ السحر أراد به القرآن المعجز لجمهور البلغاء مع توفر دواعيهم في معارضته ، وصاروا من عجزهم بحيث لم يقدروا على إتيان أقصر آية منه . وكيف يعارضون مع رسوله والكتاب المنزل من عنده سبحانه ؟ ! { إِنَّ رَبَّكُمُ } أيها المؤمنون { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ } أي : قدر ببسط عكوس أسمائه ، ومد أظلال أوصافه { ٱلسَّمَاوَاتِ } أي : العلويات التي هي الأعيان الثابتات { وَٱلأَرْضَ } أي : عالم الطبيعة القابلة للانعكاس منها { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي : ستة جهات ؛ إذ يتوهم الامتداد والأبعاد ، والأقطار فيها { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } بلا توهم التراخي والزمان والمهلة ، على ما يقتضيه لفظه " ثم " ، " بل " بلا أين وكيف وكم ؟ . { عَلَى ٱلْعَرْشِ } المعروش المبسوط من انعكاس أسمائه وأوصافه { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي : الحوادث الكائنة بالاستقلال { مَا مِن شَفِيعٍ } من المظاهر والمصنوعات { إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } وإمضاء مشيئته ، وإنفاذ قضائه { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } أي : الموصوف المتفرد ، المتوحد في ذاته بالألوهية ، المستقل في آثاره وتدبيراته بالربوبية { رَبُّكُمْ } أي : مربيكم وموجودكم { فَٱعْبُدُوهُ } حق عبادته حتى تعرفوه حق معرفته { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ يونس : 3 ] وتتفكرون وحدة ذاته ، وعظمة أسمائه وصفاته أيها العقلاء المجبولون على التفكر والتذاكر في آلاء الله ونعمائه ؟ ! . وكيف لا تتفكرون آلاءه ؛ إذ { إِلَيْهِ } لا إلى غيره ؛ إذ لا غير معه سبحانه في الوجود { مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } كما وعدكم بقوله : { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } [ يونس : 23 ] ، { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ، { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] إلى غير ذلك من الآيات . { وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي لا يخلف ميعاده أصلاً { حَقّاً } ثابتاً لازماً بلا تغيير وتبديل ، وكيف لا يكون وعده حقاً ؛ إذ هو قادر على جميع المقدورات والمرادات ، ومن كمال قدرته { إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ } ويظهره من العدم إظهاراً إبداعياً بلا سبق مادة ومدة ، ثم يعدمه ؛ إظهاراً لقدرته أيضاً { ثُمَّ يُعِيدُهُ } في النشأة الأخرى لإظهار أسرار تكليفاته التي كلف بها عباده في النشأة الأولى { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيده ، وصدقوا رسله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة من عنده بألسنة كتبه ورسله { بِٱلْقِسْطِ } والعدل القويم ، وتفضل على من تفضل عنايته منه { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله ، وأشركوا له شيئاً من مظاهر { لَهُمْ } في يوم العرض والجزاء ، بعدما يحاسبوا { شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } بدل ما يتلذذون بالأشربة المحرمة في النشأة الأولى { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [ يونس : 4 ] بالله ، ويكذبون رسله ؛ عناداً وإصراراً ، وكيف يكفرون بالله أولئك الحمقى ، العمي ، الهالكون في تيه الغفلة الضلال ، وظلمة الجهل وسوء الفعال ؟ ! .