Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 26-30)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لذلك قال سبحانه : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } في هذه النشأة مع الله ورسله ، وامتثلوا جميع ما جاء من عنده في كتبه ؛ تعبيراً وانقياداً ، إيماناً واحتساباً { ٱلْحُسْنَىٰ } أي : المثوبة العظمة الدرجة العلا ، بدل إحسانهم في الدنيا ؛ عدلاً من الله { وَزِيَادَةٌ } عليها ، وهي رضوان الله منهم غايةً وتفضلاً { وَ } صاروا من صغاء عقائدهم وإحسانهم مع الله { لاَ يَرْهَقُ } ويلحق { وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } غيار الغفلة والندامة { وَلاَ ذِلَّةٌ } صغار وهوان من التواني والتكاسل في احتمال التكاليف الإلهية { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء ، المقبولون عند الله { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } المعدة لأرباب الفضل والعنابة { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 26 ] جزاءً بما كانوا يعملون من الخيرات والمبرات . { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } من طغيان نفوسهم ، ولم يلتفتوا إلى ما أمرهم الحق ، وهداهم إليه رسله ، يجيزون على مقتضى ما افترقوا { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } عدلاً منه سبحانه { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي : تغطاهم غبار المذلة والخذلان ، بدل ما اكتسبوا من البغي والعدوان { مَّا لَهُمْ } حينئذٍ { مِّنَ ٱللَّهِ } أي : من عذابه وعقابه { مِنْ عَاصِمٍ } حافظ يحفظهم ، أو شفيع يشفع لهم ويخفف عنهم ، بل صاروا من ظلمة كفرهم وفسقهم { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ } سترت وأحيطت { وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً } في غاية الظلمة لعدم استنارتهم بنور الإيمان والعمل الصالح { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء ، الهالكون في تيه الغي والضلال { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } المعدة لأهل الغفلة والأهواء { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 27 ] جزاءً بما كانوا يكسبون من الكفر والمعاصي . { وَ } اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } أي : كلا الفريقين { جَمِيعاً } في يوم العرض والجزاء { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } بنا غيرنا من التماثيل والأصنام : الزموا { مَكَانَكُمْ } واستقروا عليها { أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } حتى تسألوا عمَّا أجرمتم { فَزَيَّلْنَا } فرَّقنا وفصلنا { بَيْنَهُمْ } أي : رفعنا رابطة العابدية والمعبودية التي بها وصلتهم وارتباطهم { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ } مخاطبين إياه مشافهةً ؛ برءة لنفوسهم : { مَّا كُنتُمْ } أيها الضالون ، المنهمكون في الغي والضلال { إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [ يونس : 28 ] بعلمنا وأمرنا ؛ إذ لسنا من ذوي العلم وأولي الأمر ، بل تعبدون أنتم أهواءكم وشياطينكم الكامنة في نفوسكم قد افتريتم علينا ونسبتم بنا ؛ عناداً ومكابرةً . { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } اليوم وفيما مضى { شَهِيداً } على ما جرى { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } هو أعلم بعلمه القديم { إِن كُنَّا } أي : إنَّا كنَّا { عَنْ عِبَادَتِكُمْ } أي : توجهكم ورجوعكم إلينا { لَغَافِلِينَ } [ يونس : 29 ] إذ لم نخلق من ذوي الشعور والإدراك في نشأة الاختبار حتى نضلكم ونستعبدكم . وبالجملة : { هُنَالِكَ } أي : حين أحضروا للسؤال والجواب ، والجزاء والحساب { تَبْلُواْ } أي : تختبر وتتفطن { كُلُّ نَفْسٍ } جزاء { مَّآ أَسْلَفَتْ } وكسبت فيما سبقت { وَ } بعد تفطنهم وتنبههم { رُدُّوۤاْ } جميعاً { إِلَى ٱللَّهِ } المتوحد المتفرد للجزاء ؛ إذ هو { مَوْلاَهُمُ } ومولى أمورهم { ٱلْحَقِّ } وما سواه من الآلهة الكاذبة الباطلة ، ومع بطلانها { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي : غاب عنهم وضاع عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ يونس : 30 ] ظلماً وزوراً ، وسموهم آلهة وشفعاء ، ولم يبقَ إلا الله الواحد القهار ، ولو كوشفوا بوحدة الحق في جميع الأحيان والأحياز لتحققوا بتوحيده دائماً بلا توقف إلى يوم القيامة ، إلا أنهم لا نهماكهم في الغفلة والضلال لم ينتبهوا في النشأة الأولى .