Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-95)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعدما تمرنوا بالصبر واستقاموا على ما أُمروا مختبئين ، فازوا بما ناجوا وطلبوا مؤملين حين { جَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } أي : عبرناهم من البحر سالمين ، وذلك حين هم فرعون وملأه أن يكبوا على بني إسرائيل ويستأصلوهم بالمرة ، فأوحينا إلى مومسى أن أسر بعبادي ليلاً فأسرى بهم ، فأخبروا فخرجوا على الفور ، فأدركوهم على شاطئ البحر فأوحينا إلى موسى بضرب العصا فضرب ، فانفلق وافترق فرقاً ، فعيروا سالمين ، فلمَّا أبصروا انفلاق البحر وعبورهم سالمين { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } فاقتحموا في البحر بلا مبالاة وتأمل { بَغْياً وَعَدْواً } ظلماً وزوراً ، علواً واستكباراً ، فاجتمع البحر وعاد على ما كان فغرقوا { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ } أي : فرعون { ٱلْغَرَقُ } وآيس من حياته وجزم ألان نجاة له أصلا { قَالَ } في حالة الاضطرار ، مصرخاً صائحاً باكياً ، راجياً الخلاص بمجرد الإقرار : { آمَنتُ } واعترفت { أَنَّهُ } أي : بأنه { لاۤ إِلِـٰهَ } يعبد بالحق { إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] المنقادين لما جاء به رسوله . وحين تفوه بها ، هتف هاتف من وراء سرادقات العز والجلال قائلاً : { آلآنَ } أيها الطاغي الغاوي الباغي آمنت حين انقرض وقت الإيمان وانقضى زمانه { وَقَدْ } أخذت على ما { عَصَيْتَ قَبْلُ } في مدة حياتك { وَكُنتَ } في زمان طغيانك وعصيانك الذي هو زمان الإيمان والعرفان { مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ] بأنواع الفسادات لا من المؤمنين ؟ ! . { فَٱلْيَوْمَ } لا ينفعك إيمانك { نُنَجِّيكَ } نخرجك من البحر { بِبَدَنِكَ } بلا روح ونسقطك على الساحل عرياناً { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ } من المتجبرين المتكبرين { آيَةً } زاجرة وعبرة رادعة عن العتو والعناد ، صارفة عن الجور والفساد { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } الناسين عهودنا وميثاقنا الذي عهدنا معهم في لوح قضائنا { عَنْ آيَاتِنَا } الدالة على أخذنا وانتقامنا { لَغَافِلُونَ } [ يونس : 92 ] مثلك أيها الطاغي . { وَ } بعددما أهلكنا فرعون وملأه { لَقَدْ بَوَّأْنَا } أي : مكنَّا وأسكنا { بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي : مقعد صدق وموضع ثبوت واستقرار وتمكين على ما تقتضيه نفوسهم وترتضيه عقولهم { وَ } بعد تمكينهم وتوطينهم { رَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي : أطياب الأغذية والفواكه ولذائذها { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في أمر دينهم قبل نزول الكتاب ، بل هم متفقون مجتمعون على ما بلغهم رسولهم وهداهم إليه { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } وأنزل عليهم الكتاب ، فاختلفوا فيه وتفرقوا فرقاً تحزبوا أحزاباً ، وانحرفوا عن طريق الحق وحرفوا الكتاب ، سيما نعتك وحليتك وأوصافك يا أكمل الرسل { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } ويحكم عليهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ يونس : 93 ] أي : يفصل بينهم ، ويميز محقهم من مبطلهم بالإثابة والعقاب . { فَإِن كُنتَ } يا أكمل الرسل { فِي شَكٍّ } وريب { مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } في كتابك من قصصهم وأخبارهم { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } وارجع إليهم لإزالة شكك وحل شبتهك ، وتفحص عنهم حتى تنكشف لك ويتحقق عندك { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن } عند { رَّبِّكَ } الصريح المطابق للواقع { فَلاَ تَكُونَنَّ } فيه { مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ يونس : 94 ] إذ ليس هذا محلاً للشك والارتياب ؛ إذ { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] لأنه تنزيل من حكيم عليم . وبعدما سمعت ما سمعت { وَلاَ تَكُونَنَّ } ألبتة { مِنَ } المسرفين { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على كمال قدرته ومتانة علمه وحكمته { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ يونس : 95 ] الساقطين عن مرتبة الخلافة ، النازلين عن درجة أهل المعرفة والتوحيد . وأمثال هذه الخطابات والعتابات من الله العليم الحيكم لحبيبه الذي ظهر على الخلق العظيم ، وتمكن على الصراط المستقيم ، إنما هو حث وترغيب للمؤمنين على ملازمة كتاب الله ومحافظة أوامره ونواهيه ، وتثبيت لهم في إيماهم وتصديقهم .