Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-100)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ } أي : ثبتت وجرت { عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل في سابق علمه ولوح قضائه في كفرهم وشركهم { لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 96 ] بدعوتك وتبليغك إليهم الآيات الرادعة الزاجرة والبراهين الساطعة القاطعة . بل { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } اقترحوها لم يؤمنوا ؛ لشدة شكيمتهم وكثافة غشاوتهم { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 97 ] المعد لهم من عند العزيز العليم ، فاعرض عنهم يا أكمل الرسل ودعهم وأمرهم ، فإنَّا ننتقم منهم . { فَلَوْلاَ } أي : فهلا { كَانَتْ قَرْيَةٌ } من القرى التي أُهلكوا بظلمهم { آمَنَتْ } حين حلول العذاب عليهم ، وظهر أماراته كما آمن فرعون حين غشية اليم { فَنَفَعَهَآ } في تلك الحالة { إِيمَانُهَا } ونُحي به عن العذاب { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ } حين ظهر عليهم أمارات العذاب ولاح علامات الغضب الإلهي ، وأخلصوا لله مخبتين خاضعين { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ } الذي يفتضحون به { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } لو لم نكشف { وَ } بعدما كشفنا العذاب عنهم { مَتَّعْنَاهُمْ } بأنواع التمتع مترفهين { إِلَىٰ حِينٍ } [ يونس : 98 ] أي : حين حلول الأجل . وذلك أنه لما بعث يونس إلى " نينوى " قرية من قرى الموصل ، كذبوه واستهزءوا به فوعدهم العذاب بعد ثلاث أو أربعين ، فلما قرب الموعد خرج من الأفق سحاب غليظ وغيم أسود ودخان شديد ، فغشي قريتهم ، فهابوا هيبة عظيمة ، فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه وهموا إلى الإنابة والتضرع ، فلبسوا المسوح وخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرَّقوا بين كل والدة وولدها ، وحنَّ بعضها إلى بعض فصرخوا ، وتضرعوا إلى حيث علت الأصوات والضجيج ، وأظهروا الندامة وأخلصوا التوبة ، فرحمهم الله وكشف عنهم ، وكان يوم عاشوراء ، يوم الجمعة . { وَ } لا تستبعد يا أكمل الرسل أمثال هذه الألطاف من الله الغفور الرحيم { لَوْ شَآءَ رَبُّكَ } وتعلق إرادته بالإيمان من على الأرض { لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ } بحيث لم يبق على وجه الأرض كافر أصلاً بل يؤمنهم { جَمِيعاً } مجتمعين بلا اختلاف وتفرقة ، لكن قضية الحكمة تقتضي الاختلاف والافتراق ، والكفر والإيمان ، والحق والباطل ، والهداية والضلال ؛ ليظهر سر التكليفات والتحميلات الواردة من الله على ألسنة رسله وسر المجازاة في النشأةالأخرى ، وحكمة خلق الجنة والنار وجميع الأمور الأخروية ومتى جرت حكمة الله على هذا { أَفَأَنتَ } يا أكمل الرسل من كمال حرصك على تكثير المؤمنين { تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } وتلجئهم إلى الإيمان { حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ يونس : 99 ] جميعاً ، مع أن بعضهم مجبولون على الكفر ، ولم يتعلق إرادة الله ومشيئته بإيمانهم . { وَ } بالجملة : { مَا كَانَ لِنَفْسٍ } أي : ما تيسر ووسع في وسعها وطاقتها { أَن تُؤْمِنَ } بالله باختبارها { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وتوفيقه وإقداره ، فعليك يا أكمل الرسل ألا تجهد نفسك في إهداء من أراد الله إضلاله ؛ لأنك { لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] وهو العزيز الحكيم { وَ } من حكمته أنه { يَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ } أي : الخذلان والحرمان { عَلَى } الكافرين { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [ يونس : 100 ] أي : لا يستعملون عقولهم التي هي مناط التكاليف إلى ما خُلق لأجله ، ولا يتفكرون ويتأملون في الآثار الصادرة من القادر المختار حتى ينكشفوا بتوحيده .