Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 1-6)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤر } أيها الإنسان الأحق الأليق لإعلاء الواء لوازم الألوهية وارتفاع رايات رموز أسرار الربوبية بين الأنام بالبيان والتبيان هذا { كِتَابٌ } أنزل إليك لتأييدك في أمرك ، مصدق لما في الكتب السالفة جامع لأحكامها { أُحْكِمَتْ } ونظمت { آيَاتُهُ } أشد تنظيم وأبلغ إحكام وإتقان بحيث لا يعرضه خلل واختلال لا في معناه ولا في لفظه ؛ لذلك عجزت عن معارضته جميع أرباب اللسن والفصاحة مع وفور وعيهم { ثُمَّ } بعد إحكامه لفظاً ومعنى { فُصِّلَتْ } وأوضحت فيه من المعارف والحقائق والأحكام المتعلقة بالعقائد والعلوم اليقينية ، والقصص المشيرة إلى العبر والمواعظ والأمثال المشعرة إلى الرموز والإشارات { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ } متقن في أفعاله { خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] يصدر عنه الأفعال على وجه الخبرة والاعتبار . وحكم فيه { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } أيها المجبولون على العبادة في الفطرة الأصلية { إِلاَّ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد ، الذي أوجدكم من كتم العدم باستقلاله إيجاداً إبداعياً ، وقل لهم يا أكمل الرسل تبشيراً وتنبيهاً { إِنَّنِي } مع كوني من جملتكم { لَكُمْ مِّنْهُ } أي : من الله المتوحد بذاته بأمره ووحيه { نَذِيرٌ } أنذركم عما يبعدكم عن الحق ، حتى لا تستحقوا عذابه وعقابه { وَبَشِيرٌ } [ هود : 2 ] أبشركم ما يقربكم إلى جنابه ، حتى تستحقوا الفوز العظيم من عنده . { وَ } حكم فيه أيضاً { أَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ } واسترجعوا في فرطاتكم { رَبَّكُمْ } الذي أوجدكم على فطرة المعرفة والتوحيد { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } وتوصلوا به بعد رفع حجب الأنانية عن البين ، وكشف سدل التعينات الوهمية عن العين { يُمَتِّعْكُمْ } بعد اضمحلال رسومكم وتلاشي هوياتكم في هويته بالرزق المعنوي والغذاء الحقيقي من عنده { مَّتَاعاً حَسَناً } على مقتضى نشأته وأوصافه وأسمائه وتطورات تجلياته الجمالية والجلالية { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو الطامة الكبرى التي انقهرت دونها توهمات الأظلال وتخيلات السوى والأغيار . { وَ } بعد تسييركم وتنزيلكم من عالم الغيب متنازلين إلى عالم الشهادة لاقتراف الحقائق والمعارف ، وترجيعكم منها إليها متصادعين إظهاراً لقدرته وبسطته { يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ } أي : لؤت ويعط كلاً من ذوي العناية الموفقين على الهداية التي جبلوا لأجلها { فَضْلَهُ } أي : حقه وجزاءه ، أي : قبل منهم ما اكتسبوا من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات وأقرهم في النهاية على مقر نزولا منه في الهداية { وَ } قل لهم يا أكمل الرسل إمحاضاً للنصح : { إِن تَوَلَّوْاْ } وتعرضوا وتنصرفوا أيها المجبولون على التكليف عن مقتضى إنذاري وتبشيري { فَإِنِّيۤ } في غاية إشفاقي لكم وتحنني نحوكم { أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [ هود : 4 ] أي : نزول العذاب يوم العرض الأكبر الذي أشرقت فيه شمس الذات إلى حيث اضمحلت الأظلال والعكوس مطلقاً ، ونودي من وراء سرادقات العز والجلال بلا تزاحكم الأظلال والأغيار : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } واجباً أيضاً من ورائها : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . واعلموا أيها الأظلال المقهورة { إِلَى ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المتجلي في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق { مَرْجِعُكُمْ } ورجوعكم رجوع الظل إلى ذي الظل والعكوس إلى ما انعكس منها { وَهُوَ } سبحانه في ذاته قاهر فوق عباده { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من صور العذاب والانتقام { قَدِيرٌ } [ هود : 4 ] لا يخرج عن حيطة قدرته شيء ، ولا يعزب عن علمه معلوم ، مما جرى عليهم من الأحوال . { أَلا إِنَّهُمْ } أي : المحجوبون الغافلون من غاية جهلهم وغفلتهم عن الله { يَثْنُونَ } أي : يقطعون وينحرفون { صُدُورَهُمْ } عن الميل إلى الحق والتوجه نحوه طالبين { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } أي : يستروا ويخفوا من الله ما تمكن صدورهم من الإعراض عن الحق بأوامره ورسله { أَلا } إنهم لم يعلموا ولم يتفطنوا أن الله المطلع بجميع ما جرى في ملكه يعلم منهم ما جرى عليهم وظهر منه { حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي : يطلبون التدثر والتغطي وقت رقودهم في مضاجعهم ، بل { يَعْلَمُ } منهم { مَا يُسِرُّونَ } في ضمائرهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } بأفواههم ومشاعرهم ، وكيف لا يعلم سبحانه { إِنَّهُ } بذاته وأوصافه وأسمائه { عَلِيمٌ } بعلمه الحضوري { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ هود : 5 ] وبما هو مكنون فيها من السرائر والضمائر . { وَ } كيف يستبعد أمثال هذا من حيطة حضرة علمه ؛ إذ { مَا مِن دَآبَّةٍ } تترك { فِي ٱلأَرْضِ } مثلاً { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } المتكفل لأرزاق مظاهره ومصنوعاته { رِزْقُهَا } أي : ما تعيش وتتقوم به { وَ } مع ذلك { يَعْلَمُ } منشأها ومصدرها في عالم الغيب ، ويعلم أيضاً { مُسْتَقَرَّهَا } أي : محل قرارها وبقائها في عالم الشهادة ، ومدقار ثباتها واستقرارها فيها { وَ } يعلم أيضاً { مُسْتَوْدَعَهَا } ومرجعها في عالم الغيب بعد انقضاء النشأة الأولى ، وبالجملة : { كُلٌّ } من الأحوال والأطوار والنشأة الطارئة عليها بحيث لا يشذ شيء منها محفوظ مثبت { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ هود : 6 ] هوحضرة علمه ولوح قضائه ، فكيف تنكرون أيها المنكرون إحاطة علمه ، وتستخفون منه شيئاً من مخايلكم ؟ ! .