Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 101-104)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم دعا يوسف عليه السلام لنفسه وناجى مع ربه مناجاة صاردة عن محض الحكمة والذكاء والفطنة بقوله : { رَبِّ } يا من رباني بلطفك وفضلك بأنواع التربية والنعم إلى حيث { قَدْ آتَيْتَنِي } وأعطيتني { مِنَ ٱلْمُلْكِ } الظاهر أي : الحكومة المتعلقة بعالم الشهادة { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي : العبور من الحوادث الكائنة في عالم الشهادة إلى ما في عالم الغيب من الصور المقتضية إياها { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : عالم الأسماء التي انعكست منها هذه الأظلال الهالكة الشهادية { أَنتَ } بذاتك بعدما تحققت بتوحيدك وانكشفت به ، ورفعت الحجب بيني وبينه { وَلِيِّي } ومولى أمورري وحامل أسراري { فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } أي : في النشأة الأولى والأخرى { تَوَفَّنِى } اقبضني { مُسْلِماً } مسلماً مفوضاً جميع أموري إليك { وَأَلْحِقْنِي } بلطفك { بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] الذين أصلحوا نفوسهم في النشأة الأولى والأخرى حتى يفوزوا من عندك بشرف اللقيا . { ذَلِكَ } المذكور من قصة يوسف وما جرى بينه وبين إخوته وبين امرأة العزيز وغير ذلك من الوقائع الهائلة ، الواقعة على يوسف وعلى أبيه وأخيه من حسد إخوتهما { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } أي : من الإخبارات التي سترت عنك يا أكمل الرسل { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } إي : نعلمك بالوحي والإلهام ، ومحقق مسلَّم عند ذوي العقول { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } وعندهم وفي جمعهم وقت { إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } [ يوسف : 102 ] أي : يقصدون المكر والخداع مع يوسف وأبيه ، بعدما شاوروا كثيراً من إهلاك يوسف وإبعاده من عند أبيه واستقرار رأيهم بد تكرر المشاورة على ما فعلوا به واتفقوا عليه ، وما أنت أيضاً من أهل الإملاء والنسخ أن تضبط قصصهم من التواريخ ، ولا من أهل التعلم المستفيد من الغير ، بل ما هو إلا وحي يوحى إليك من عندنا . { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } الذين يترددون بين يديك { وَلَوْ حَرَصْتَ } بإيمانهم وإذعانهم { بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] لك مصدقين لما جئت به من عند ربك . { وَ } ما عرض لهم ولحق لنفوسهم من الغفلة لم يقبلوا ما قلت لهم ؛ إذ { مَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ } أي : على تبليغ ما جئت به من عند الله { مِنْ أَجْرٍ } جُعلٍ ومال من حطام الدنيا كما يفعله حملة الأخبار ومتفقهة الزمان والمتشيخة من أهل التلبيس ، بل { إِنْ هُوَ } أي : ما هذا القرآن وما فيه من العبر والأحكام والقصص المستلزمة لأنواع المواعظ والتذكيرات { إِلاَّ ذِكْرٌ } عام ، وفائدة جليلة شاملة { لِّلْعَالَمِينَ } [ يوسف : 104 ] .