Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 96-100)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } وهو يهوذا مع القميص { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ } على الوجه المأمور { فَٱرْتَدَّ } أي : عاد ورد فجأة { بَصِيراً } كما كان في سالف الزمان ، فشكر الله وحمده ، وسجد له سجدة خضوع وخشوع وتذلل تام ، ثم رفع رأسه من سجوده { قَالَ } لبنيه ولحضار مجلسه : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } حين لمتوني بالأسف والحزن وكثرة المناجاة مع الله لملاقاة يوسف { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ } كرم { ٱللَّهِ } وسعة جوده ورحمته { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 96 ] أنتم أيها اللائمون . ثم لما سر يعقوب عليه السلام وخلص من الشدائد والمحن وقر عيناه { قَالُواْ } أي : بنوه منادين له متضرعين إليه : { يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ } التي كنا نعمل معك ومع من أحببته واخترته علينا { إِنَّا كُنَّا } فعلنا من الجرائم العظام والمعاصي والآثام { خَاطِئِينَ } [ يوسف : 97 ] جاهلين عن عواقبها وما يؤول إليها ؛ إذ هو من قضاء الله إيَّانا ولا مرد لقضائه . ثم لما تفرس يعقوب عليه السلام منهم الإخلاص والإنابة التامة والرجوع عن ظهر القلب { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } في ذاته { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } لذنوب عباده بعدما أخلصوا { ٱلرَّحِيمُ } [ يوسف : 98 ] لهم يقبل توبتهم . سوَّف أمر استغفارهم إلى ملاقاة يوسف والمشورة معه ، يدل عليه ما رُوي أن يعقوب استقبل القبلة قائماً يدعو ، وقام يوسف خلفه يؤمن ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبري عليه السلام ، فقال : إن الله قد أجاب دعوتك في حق أبنائك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة . ثم لما صمموا عز الرحيل إلى مصر شدوا ركابهم ، وساروا حتى وصلوا إلى قربها ، سمع يوسف بقدومهم ، وخرج إلى استقبالهم مع الملك وجنوده وجميع أهل مصر { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } ووصلوا إليه { آوَىٰ إِلَيْهِ } أي : اعتنق وضم يوسف { أَبَوَيْهِ } إلى نفسه وواسا معهما { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [ يوسف : 99 ] عن نكبات الجدب والقحط وآذيات الرحيل . { وَ } بعدما دخلوا على بيته { رَفَعَ أَبَوَيْهِ } تعظيماً لهما وتوقيراً { عَلَى ٱلْعَرْشِ } الذي يجلس هو عليه ، وهو يقوم بين يديهما { وَ } بعدما تمكن أبوأه على عرشه { خَرُّواْ } أي : هما وبنوهما { لَهُ سُجَّدَاً } أي : خرجوا لشكر لقياه وشرف حضوره لله سجود شكر وخضوع . ولما رأى يوسف سجودهم تذكر ما رأى في المناقم في أوان الصبا { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } في سالف الزمان { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } صدقاً محققاً مطابقاً للواقع { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } ربي بأنواع الإحسانات { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } بعدما كانت فيه مدة مديدة { وَ } أعظم منه أنه { جَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } أي : البادية البعيدة { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ } وأوقع { ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } بأنواع الإيقاعات والوساوس { إِنَّ رَبِّي } الذي رباني بأنواع اللطف والكرم { لَطِيفٌ } مدبر كامل وموفق كافل { لِّمَا يَشَآءُ } من الأمور ويريد إصلاحه { إِنَّهُ } بذاته { هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بعلمه الحضوري لمصالح عباده { ٱلْحَكِيمُ } [ يوسف : 100 ] المتقن في أفعاله على مقتضى ما تعلق بعلمه وإرادته .