Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-22)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعدما مضى ثلاثة أيام على الإلقاء { جَاءَتْ سَيَّارَةٌ } رفقة وقفل عظيم يسيرون من مدين إلى مصر ، فنزلوا قريب الجب { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } الذي كان يرد السماء للاستسقاء ، وهو مالك بن ذعر الخزاعي { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } أي : ألقاها لإخراج الماء ، فتدلى بها يوسف ، فأخرجها فرآه { قَالَ } مستبشراً فرحاناً : { يٰبُشْرَىٰ } تعالى فهذا أوانك ؛ إذ { هَـٰذَا } الذي خرج بالدلوا بدل الماء { غُلاَمٌ } صبيح مليح في غاية الصباحة والملاحة { وَ } بعدما أخرجوه ومن معه من رفقائه { أَسَرُّوهُ } وأخفوا أمره من البعض الآخر ليكون { بِضَاعَةً } لهم وقت وصولهم إلى مصر ، ليشروه ويقسموا ثمنه { وَٱللَّهُ } المطلع لمخايل عباده { عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ يوسف : 19 ] أي : يقصدون عمله ويسرون في نفوسهم . وبعدما اطلع أخوة وسف على قدوم السيارة ونزولهم على الجب تسارعوا نحوهم ليبيعوه لهم حتى يخلصوا منه بالكلية ، فوصلوا الجب ولم يجدوه وبادروا إلى القفل فتجسسوه ، فوجدوه عندهم ، فقالوا لهم : هذا عبدنا قد أبق منا ، إن اشتريتم نشرته على ما رضيتم ، وأقر يوسف على الرقية ولم ينكر عليهم ؛ خوفاً من القتل { وَشَرَوْهُ } بعدما اعترف بالرقية وباعوه { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } بمخوس منقوص { دَرَاهِمَ } لا دنانير { مَعْدُودَةٍ } أي : قليلة { وَ } إنما شروه بها ؛ لأنهم { كَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [ يوسف : 20 ] الراغبين المعرضين عنه ، لذلئك باعوه بها . ولما اشتراه مالك بن ذعر من إخوته بما اشتراه ، ذهب به إلى مصر بضاعة ، فلما وصلوا إلى مصر وأراد أن يبيعه ، فسلمه إلى النخاص فباعه { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ } وهو العزيز الذي كان على خزائن ملك مصر ، واسمه : قطفير أو أطفير ، حين ذهب به إلى بيته { لاِمْرَأَتِهِ } زليخا أو راعيل : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } وأحسني حاله ومعاشه ، وتلطفي معه بانواع اللطف ، والشفقة ، إني أتفرص منه الرشد والنجابة { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } بعقله ورشده وكفايته وتدبيره { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } يستخلف منا ؛ لأنه كان عقيماً فأراد أن يتبناه { وَكَذٰلِكَ } أي : مثل ما عطفنا عليه العزيز بعد قهر إخوته وفرقة أبيه وأخيه وغربته من وطنه ، ووحشته في غيابة الجب وذل رقبته { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : جعلناه متصرفاً ذا قدرة واختيار في ارض مصر ، ليتصرف فيها بالرشد التام والقدر الكاملة { وَلِنُعَلِّمَهُ } وننبه عليه { مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } الواقعة في عالم الكون والفساد طريق الرشد والعدالة ؛ ليصل بها إلى الاعتدال الحقيقي { وَٱللَّهُ } المدبر لأمور عباده { غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } المراد له ، المتعلق بمصالح بعض عباده { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يوسف : 21 ] غلبته واستقلاله في أمره وتصرفه في ملكه ، لذلك اشتغلوا بخلاف مراده والسعي في إبطاله كإخوة يوسف ، فلم صلوا إلى ما قصدوا . { وَلَمَّا بَلَغَ } يوسف { أَشُدَّهُ } أي : كما عقله وقوته وأوانه ما بين الثلاثين والأربعين { آتَيْنَاهُ } إنجازاً لما وعدنا عليه في سابق علمنا وقضائنا { حُكْماً } أي : حكومة بين الناس مقارنة بين العدل والقسط { وَعِلْماً } بسرائر الأمور ورقائق المناسبات ومن جملتها تعبير الرؤيا { وَكَذٰلِكَ } أي : مثل إيتائنا إياه من الفضائل والفواضل المقدرة له في لوح القضاء { نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 22 ] الذين يحسنون الأدب معنا في جميع حالاتهم اتقاء منا وتوجيهاً إلينا .