Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 13-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما بغالوا وألحوا { قَالَ } أبوهم : { إِنِّي } من شدة محبتي وشوقي إليه ، وتحنني وعطفي نحوه { لَيَحْزُنُنِيۤ } مفارقته { أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } مع ذلك { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } لأن ارضنا مذئبة { وَأَنْتُمْ } لشدة شغلكم على الرتع واللعب { عَنْهُ غَافِلُونَ } [ يوسف : 13 ] حينئذٍ ، ذاهلون من حضانته وحفظه . { قَالُواْ } على سبيل الاستبعاد والاستنكار مقسمين ؛ تعزيراً عليه وتأكيداً لمكرهم وخداعهم : والله { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي : جماعة أقوياء ذوو عة وعُدة وقدرة وقوة { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } [ يوسف : 14 ] ضعفاء ذليلون مغبونون ، قالوا ذلك على سبيل التشدد وإظهار الجرأة والشجاعة ، كأهم يستدلون على عدم وقوع المحذر به . { فَلَمَّا } احتالوا وبالغوا في الحيلة والمكر إلى أن { ذَهَبُواْ بِهِ } أي : بيوسف إلى الصحراء ، فاشتغلوا بضربه وشتمه والقهر عليه وأنواع العذاب والعقاب ، وكادوا أن يقتلوه ظلماً وزوراً ، قال لهم يهوذا : أنتم عهدتم ألا تقتلوه ، فما هذه المبالغة ةالاشتداد ، أمَا تستحيون من الله ؟ { وَ } بعدما قال لهم يهوذا هذا { أَجْمَعُوۤاْ } واتفقوا { أَن يَجْعَلُوهُ } ويطرحوه { فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } وهو جب معروف مشهور بجب يوسف ، على ثلاثة أميال من صفد يعقوب ، قريب من جسر يقال له : جسر يعقوب بفرسخ تقريباً ، فقربوه على الجب وعزموا إلقاءه فيها ، فتعلق وسف بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا عنه قميصه ؛ ليطلخوه بالدم لكذب ، فألقوه مربوطة يديه على الماء وكان فيها صخرة عظيمة جلس عليها عرياناً قلقاً ، حائراً ، حزناً ، مصطرباً ، مستوحشاً { وَ } بعدما ألقوه وقضوا الطر أزلنا عنه وحشته وكربه بأن { أَوْحَيْنَآ } من مقام لطفنا وجودنا { إِلَيْهِ } : لا تغتم أيها الصديق من صنيع هؤلاء الغواة الهالكين في تيه الحسد والعناد ، إنَّا بمقتضى كرمنا وأحساننا لنفضلك عليه ونمكنك على انتقامهم إلى حيث { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ } وتحدثنهم معاتباً عليه ، منتقماً منهم { بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } معك وحيلتهم ومكرهم مع أبيك { وَهُمْ } في تلك الحالة { لاَ يَشْعُرُونَ } [ يوسف : 15 ] أنك يوسف ؛ لعلو شأنك وارتفاع قدرك وسلطانك ، اصبر أيها الصديق على أذاهم في الحال ، فإن لك السلطنة والسطوة عليهم في المآل . { وَ } بعدما فعلوا بيوسف ما فعلوا { جَآءُوۤا أَبَاهُمْ } ملتبسين محتالين { عِشَآءً } في آخر اليوم { يَبْكُونَ } [ يوسف : 16 ] صاحئين ، صارفين ، فزعين ؛ تغريراً على أبيهم . فلما سمع يعقوب صياحهم اضطرب فقال : ما لكم ؟ وأين يوسف ؟ { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } أي : نتسابق بالعدو والرمي واستمر تسابقنا ومالنا { وَ } قد { تَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } لحفظها ، فغفلنا عنه بغرور السباق { فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } وكنت نظرت من أول الأمر فوقع { وَ } نحن نعلم { مَآ أَنتَ } يا أبانا { بِمُؤْمِنٍ } أي : مصدق { لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [ يوسف : 17 ] فيما أخبرنا لك ؛ لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف . { وَ } بعدما تفرسوا منه الإنكار والاستبعاد { جَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ } معه { بِدَمٍ كَذِبٍ } يعني : جاءوا مثبتين لدعواهم بدم كذب ملطخ على قميصه ، مفترين على الذئب بأنه أكله ، وبعدما جاءوا بالقميص الملطخ ، طلب منهم ابوهم ، فألقاه على وجهه فبكى بكاء فظيعاً فجيعاً ، وتمادى في البكاء زماناً طويلاً حتى احمر وجهه من الدم الملطوخ به ، ثم كشف القميص فرآه لم يمزق ، فقال : ما رأيت ذئباً أحلم من هذا الذئب ، أكل ابني ولم يمزق قيمصه ! ثم { قَالَ } متوجهاً إليهم : ما جئتم به معتذرين عليَّ ليس بمطابق للواقع { بَلْ سَوَّلَتْ } سهلت ويسرت { لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } بإلقاء الشيطان وتعيلمه إياكم لتعتذروا به عليَّ { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أجمل علي فيما ابتليت { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ } احتال { مَا تَصِفُونَ } [ يوسف : 18 ] بألسنتكم أيها المسرفون ؛ إذ لا طاقة في تحمله إلا بعون الله وإقداره .