Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 1-6)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤر } أيها الإنسان الكامل اللائق ، الرشيد لرفع لواء سرائر الربوبية ورموز التوحيد ، وتمييز أجل لباب الرؤيا والروايات الواردة لتبيينه عن قشورها { تِلْكَ } العبر والأمثال والقصص والآثار المذكورة لك فيمايتلى عليك يا أكمل الرسل لتأييدك وارتفاع شأنك { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [ يوسف : 1 ] الذي هو حضرة علمنا المشتمل على جميع مراداتنا ومقدوراتنا . { إِنَّآ } من مقام جودنا ولطفنا { أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً } منظماً على صور الألفاظ والعبارات ، مترجماً عما عليه الأمر في حضرة علمنا الحضوري { عَرَبِيّاً } أسلوبه عاناية منا إليكم { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ يوسف : 2 ] معناها وتطلعون على مرموزاتها وإشاراتها وتطرحون عقولكم الموهوبة لكم لكشف سرائرها وخفياتها . { نَحْنُ } من كمال لطفنا معك { نَقُصُّ عَلَيْكَ } يا أكمل الرسل ، تأييداً لأمرك وتعظيماً لشأنك { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } استماعاً وأكملها انتفاعاً وأشملها عبرة وأتمها فائدة وأعمها عائدة ؛ إذ الفطن اللبيب استفاد منها من العبر والتذكيرات والرموز والإشارات ما يكفي مؤونة سلوكه في أمر دينه لو كا من ذوي الرشد وأهل الخبرة والبصيرة ، وإنما علمناه لك ونبهناه عليك ملتبساً { بِمَآ أَوْحَيْنَآ } أي : بأيحائنا وإنزالنا { إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } المخبر عن المغيبات المكنونة في حضرة علمنا { وَإِن كُنتَ } في نفسك { مِن قَبْلِهِ } أي : قبل وحينا وألهامنا إياك { لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] . اذكر يا أكم الرسل { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ } حين بلغ الحلم وترقى من الطفولية : { يٰأَبتِ } ناداه تحنناً إليه { إِنِّي رَأَيْتُ } في المنام { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } من الكواكب العظام { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أيضاً معهن { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] واضعين جباههم على تراب المذلة عندي تعظيمً وترحيباً - جمعها جمع العقلاء باعتبار ما يؤول إليه ويؤول به - ثم لما تفرس أبوه من الرؤيا ما تفرس ، بادر إلى نهيه عن الإفشاء والانتشار لإخوته حيث { قَالَ } له قبل أن يشتغل بتأويلها وتعبيرها : { يٰبُنَيَّ } صغره ؛ تلطفاً له وإشفاقاً عليه وتخوفاً من كبد إخوته { لاَ تَقْصُصْ } ولا تذكر { رُؤْيَاكَ } التي رأيتها { عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } لئلا يحسجوا لك من ارتفاع شأنك { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } بإغواء الشيطان إياهم ويختالوا لمقتك وهلاكك ، حسداً لك ولعلو شأنك { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ } المغوي المضل { لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ يوسف : 5 ] ظاهر العداوة ، محيل عظيم ، يعاديهم في لباب الصدقة ويفسدهم في سورة الإصلاح . ثم لما سارع يعقوب عليه السلام بالهي عن الانتشار والإفشاء تحذيراً وتخويفاً له من كيد إخوته ، اشتغل بتأويل رؤيته ، فقال : { وَكَذٰلِكَ } أي : مثل إراءتك هذه الرؤيا وتخصيصك بها { يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : ينتخبك من بين الناس ويخصك بالرئاسة العظمى والمرتبة العليا ، وهي النبوة والنيابة الإلهية { وَ } بعدما يجتبيك ويصطفيك { يُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي : يخصصك بعلم الرؤيا وتعبيرها إلى حيث انكشف لك حضرة الخيال انكشافاً تاماً { وَ } بالجملة : { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ } بواسطتك { عَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ } أي : بنيه وأحفاده ومن ينتمي إليه وإن سفل { كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ } أي : جديك { مِن قَبْلُ } في سالف الزمان ؛ يعني { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } أعطاهما من الإنعام والأفضال ما لم يعط أحداً من الخلة والإنجاء والإنقاذ والفدية والخلاص ، وغير ذلك من النعم الجسام { إِنَّ رَبَّكَ } الذي رباك بأنواع اللطف والكرم { عَلِيمٌ } بعلمه الحضوري لاستعدادات عباده على مقتضى ما ثبت في لوح قضائه إجمالاً { حَكِيمٌ } [ يوسف : 6 ] في صورة تفضيه على وفق إجماله ، لا يشذ عن حيطة علمه شيء .