Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن عند الحق وجادل مع أهله مكابرة ، مستفماً على سبيل التبكيت والإسكات : { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : موجدهما ومظهرهما من كتم العدم ومربيهما بأنواع التربية والكرم ؟ { قُلِ } أيضاً أ ، ت في جواب سؤالك ؛ إذ هم معزولون عن التنطق بكلمة الحق ؛ إذ ختم الله على قلوبهم وأفواههم : { ٱللَّهُ } أي : الموجد والمربي ، هوالله المستقل بالألوهية والربوبية ، ثم بعدما ظهر الحق { قُلْ } لهم على سبيل التوبيخ والتقريع : { أَفَٱتَّخَذْتُمْ } أيها الجاهلون بالله وحق قدره { مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } معبودات من جنس مصنوعاته ، سيما أدونها وهي الجمادات التي { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } فضلاً لغيرهم . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل توبيخاً وتقريعاً : أيها الجاهلون المعزولون عن مقتضى العقل الفطري { هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ } الفاقد للبصر { وَٱلْبَصِيرُ } الواجد لها ؟ { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ } أي : الأعدام الهالكة في نفسها { وَٱلنُّورُ } الوجود المتشعشع في ذاته ؟ { أَمْ جَعَلُواْ } أولئك الحمقى العمي الهالكون في تيه الغفلة والضلال { للَّهِ } المنزه عن المثل والمثال { شُرَكَآءَ } مثله { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } وأوجدوا لخقه وإيجاده { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } أي : حتى اشتبه عليه وتشابه خلقهم لخلقه ، سبحاه عما يقول الظالمون علواً كبيراً { قُلِ } يا أكمل الرسل إرشاد وتكميلاً : { ٱللَّهُ } المستجمع لصفات الكمال بأسرها والمربي لجميع الكائنات برمتها { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } أي : مظهرها وموجدها بالاستقلال بلا مظاهرة ومشاركة { وَهُوَ } بذاته { ٱلْوَاحِدُ } المستقل في الوجود { ٱلْقَهَّارُ } [ الرعد : 16 ] للأإيار الهالكة في أنفسها ، المنعكسة من أظلال أسمائه وأوصافه ، الباقية في صرافة عدميتها الأصيلة . ومن إشفاقه ومرحمته على عباده أن { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : من العالم الروحاني { مَآءً } أي : ماء الإيمان والعرفان { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } أي : امتلئت النفوس القابلة بقدر ما يسع في استعداداتها منها ، فسالت بعدما امتلئت { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } أي : ارتفع على مياه المعارف والحقائق زيد التقليدات الحاصلة من رسوب القوى البشرية ، وغش الطبيعة تسقطها على الأطراف وتصفيها عن الكدورة مطلقاً { وَ } مثل ذلك الزبد الباطل يحصل { مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ } من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها حين أرادوا ذوبانها { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } أي : طلب اتخاذها منها { أَوْ مَتَاعٍ } آخر من الأواني وآلات الحرب { زَبَدٌ } فساد باطل في نفسه { مِّثْلُهُ } الزبد الأول . { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده { ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ } لهم ؛ لكي يتنبهوا ويتفطنوا فيتبعوا الحق ويجتنبوا عن الباطل ، ثم بيَّن لهم سبحانه مآلهم توضيحاً وتقريراً بقوله : { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ } المرتفع على الماء { فَيَذْهَبُ جُفَآءً } أي : يضمحل ويتلاشى بالجفاف كما أن زبد التقليدات يسقط ويضمحل بإشراق نور اليقين { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من مياه المعارف والحقائق { فَيَمْكُثُ } ويستقر { فِي ٱلأَرْضِ } أي : الطبيعة القابلة لانعكاس أشعة الأسماء والصفات الإلهية لينبت فيها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [ الرعد : 17 ] .