Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 18-21)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال سبحانه كلاماً جملياً شاملاً لجميع أصحاب الضلال : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } الذي رباهم بأنواع النعم ، فيكفرون النعم والمنعم جميعاً متى لم يصلوا إلى مرتبة توحيده وعرفانه ، ولم يؤمنوا به حتى يصلوا بالسلوك والمجاهدة إليه ، شأنهم العجيب وحالهم الغريبة فيما يتلى عليكم أنه { أَعْمَالُهُمْ } الحسنة من الصدقة والعتق والصلة وغير ذلك من الأعمال المقربة إلى الحق إن كانت غير مقروننة بالإيمان والمعرفة { كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } ذو رياح شديدة عاصفة فطار بها الرماد إلى حيثن لم يبق في مكانه أثر منه ، أي : مثلهم وشأنهم في كون أعمالهم محبطة يوم القيامة كمثل ذلك الرماد بحيث { لاَّ يَقْدِرُونَ } لدى الحاجة { مِمَّا كَسَبُواْ } من الأعمال المنجية المخلصة { عَلَىٰ شَيْءٍ } قليل حقير ، فكيف بالكثير العظيم منها ؟ ! { ذٰلِكَ } الإحباط والهباء وعدم النفع { هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [ إبراهيم : 18 ] بمراحل عن الهداية والفوز بالفلاح ، وما ذلك إلا لعدم مقارنتها بالإيمان والعرفان ، ولتكذيب الرسل المبينين لهم طريق التوحيد والإيقان . { أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي المستبعد لإحباط أعمال أولئك الكفرة المعاندين مع الله ورسله { أَنَّ ٱللَّهَ } القادر ، المقتدر بالقدرة التامة الكاملة بحيث لا ينتهي قدرته أصلآً { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي : أظهرهما وأوجدهما من كتم العدم على وجه الإبداع والاختراع { بِٱلْحقِّ } الثابت المطابق للحكمة البالغة الكاملة بحيث ما ترى فيها من فطور وفتور ، يشاهد أهل البصائر والاعتبار هذا النمط البديع والنظام العجيب فينكشفوا منها إلى مُبدئها ومُنشئها ، ومع ذلك { إِن يَشَأْ } سبحانه { يُذْهِبْكُمْ } أيها المائلون عن طريق لاحق الناكبون عن مقتضى حكمته بمتابعة أهوية نفوسكم ومقتيضات هوياتكم الباطلة { وَيَأْتِ } بدلكم { بِخَلْقٍ } آخر { جَدِيدٍ } [ إبراهيم : 19 ] مستبدع مستحدث ؛ ليواظبوا على طاعته ويداوموا على مقتضيات حكمته . { وَ } لا تستبعدوا من الله أمثال ذلك ؛ إذ { مَا ذٰلِكَ } وأمثاله { عَلَى ٱللَّهِ } المتعزز بالمجد والبهاء والعظمة والكبرياس والبسطة والاستيلاء { بِعَزِيزٍ } [ إبراهيم : 20 ] متعذر أو متعسر ؛ إذ لا يتعسر على قدرته المقدور ، ولا يتعذر عليه شيء من الأمور . { وَ } كيف يتعسر أو يتعذر عليه شيء من الأشياء ؛ إذ الكل { بَرَزُواْ } أي : ظهروا ورجعوا في النشأة الآخرة { لِلَّهِ } المظهر المبرز لهم من كتم العدم { جَمِيعاً } مجتمعين ؛ إذ لا يخرج عن حيطته شيء { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } من ذوي الاستعدادات الضعيفة حين أُخذوا بجرائمهم { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } عليهم في النشأة الأولى بالرئاسة والعقل والتام ، وإدعاء الفضل والكمال إلى حيث جعلوا نوفسهم مبتدعين لهم حيث قالوا : { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } في دار الدنيا ، وأنتم ناصحون لنا ، آمرون بتكذيب الرسل وأنواع الفواحش والقبائح الممنوعة بألسنة الرسل { فَهَلْ أَنتُمْ } اليوم حي أُخذنا على ما أمرتمونا { مُّغْنُونَ عَنَّا } أي : دافعون مانعون { مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } المنتقم منا { مِن شَيْءٍ } أي : بعض من عذابنا ونكالنا ؟ ! { قَالُواْ } أي : المستكبرون بعدما عاتبهم الضعفاء : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ } الهادي لعباده { لَهَدَيْنَاكُمْ } ولكن أضلنا باسمه المضل ، فأضللناهم ، فالآن نحن وأنتم ضالون ضالمون مؤاخذون { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ } وعليكم { أَجَزِعْنَآ } عن شدة العذاب والنكال { أَمْ صَبَرْنَا } على مُقاساته وأحزانه { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [ إبراهيم : 21 ] أي : مخلص ومناص .