Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 47-52)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وإذا كان الأمر كذلك : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء { مُخْلِفَ } إنجاز { وَعْدِهِ } الذي وعد به { رُسُلَهُ } من إهلاك عدوهم وتعذيبهم بأشد العذاب { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { عَزِيزٌ } غالب قادر على جميع مراداته ومقدوراته { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [ إبراهيم : 47 ] شديد على من أراد انتقامه وبطشه من أعدائه نصرة على أوليائه . قله لهم يا أكمل الرسل : لا تغتروا عن إمهال الله إياكم أيها المسرفون في دنياكم ؛ إذ ينتقم عنكم { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ } وتغير تغييراً كلياً ، بأن دكت الجبال دكاً وصارت مسوى لا عوج لها ولا أمتاً ، وصارت { غَيْرَ ٱلأَرْضِ } التي كانت قبل هذا { وَ } طويت { ٱلسَّمَٰوَٰتُ } المحسوسة ، وانتثرت الكواكب ، وكورت الشمس ، فصارت أيضاً غير تلك السماوات ، وبالجملة : تضعفت أركان العالم وتغيرت أوضاعها وأشكالها واضمحلت آثارها وتلاشت أجزاؤها ، وتداخلت أرجاؤها وأقطارها { وَبَرَزُواْ } أي : ظهروا وخرجوا أي : الأموات من أجداث أجسادهم بعد خلع تعيناتهم وجلباب هوياتهم { لِلَّهِ } المظهر لهم الظاهر فيهم { ٱلْوَاحِدِ } في ذاته وصفاته وأحواله وجميع شئونه وتجلياته ، المستقل في وجوده { الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] للأغيار والسوى مطلقاً . { وَتَرَى } حينئذٍ { ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ } الذين أجرموا بالله بإثبات الوجود لغيره وإسناد الحوادث إلى أسبابها العادية { مُّقَرَّنِينَ } مقيدين { فِي ٱلأَصْفَادِ } [ إبراهيم : 49 ] أي : سلاسل التقليدات والتقييدات وأغلال التعينات والتخمينات . { سَرَابِيلُهُم } أي : قمائص تعيناتهم وتشخصاتهم { مِّن قَطِرَانٍ } أي : من غرابيب الظلمة العدمية ، وهو في اللغة : دهن الأبهل والعرر ، كالزفت أسود في غاية السواد ، منتن نتنه في غاية الكراهة { وَتَغْشَىٰ } أي : تستر { وُجُوهَهُمُ } التي تلي الحق { ٱلنَّارُ } [ إبراهيم : 50 ] أي : نار البعد والحرمان وسعير الخذلان والخسران . وما ذلك ؛ أي : انتقامهم وأخذهم إلاَّ { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ } الحكيم العليم المتقن في أفعاله ومأموراته ومنهياته وجميع تدبيراته { كُلَّ نَفْسٍ } متعينة بتعين مخصوص { مَّا كَسَبَتْ } وامتثلت ما أُمرت به ونُهيت عنه أو أعرضت { إِنَّ ٱللَّهَ } الرقيب على عباده ، المطلع لجميع أفعالهم { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ إبراهيم : 51 ] يحاسبهم ويجازيهم على مقتضى حسابه عدلاً منه . { هَـٰذَا } أي : ما ذكر من أوصاف يوم القيامة وأهوالها وأفزاعها { بَلاَغٌ } أي : تذكرة كافية وموعظة وافية { لِّلنَّاسِ } الذين نسوا طريق التوحيد وأعرضوا عنها بعروض الغفلة لهم ، فليتعظوا { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } عن المعاصي والإجرام حتى لا يؤخذوا عليها ، وليجتنبوا عن الشرك ولا يركنوا إليه { وَلِيَعْلَمُوۤاْ } عموم العباد إيماناً وإذعاناً { أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } يُعبد بالحق ويُرجع إليه إلى أن ينكشفوا بالحقيقة الحقية { وَلِيَذَّكَّرَ } خصوصاً { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ إبراهيم : 52 ] الناظرين بنور الله ، الفانين به ، الباقين ببقائه . جعلنا الله ممن ذكر له فتذكر ، وتحقق في مقر التوحيد وتقرر . خاتمة السورة . عليك أيها اللبيب المتذكر لمرتبة الأحدية التي هي ينبوع بحر الوجود أن تتذكر وتتعظ بمواعظ الكتاب الإلهي من مواعيده ، وإنذاراته وحكمه وأسراره ؛ لتتفطن بتطوراته وتجلياته ، وشئونه في مراتب تنزلاته ؛ حتى يسهل لك التقيظ من المنامات العارضة والغفلات الطارئة عليك من الإضافات الحاصلة بين الشئون والتجليات المبعدة عن صرافة الوحدة الذاتية ، ويتيسر لك الوصول إلى منع جميع الأسماء والصفات ، المستتبعة لأنواع الكثرات ، ومرجع جميع الكائنات والفاسدات المترتبة عليها . فاعلم أيها الطالب القاصد لسلوك طريق الهداية الموصلة إلى صفاء التوحيد الذاتي أن التوجه إليها والوقوف على أماراتها لا يتيسر إلا بعد تنبيه منبه نبيه ، وإرشاد مرشد كامل خبير بصير . لذلك جرت عادة الله ، واستمرت سنته السنية على إرسال الرسل والأنبياء المؤدين بالكتب والصحف ؛ لتمكن لهم إرشاد الناقصين المنحطين عن درجة التدبر والتدرب في غوامض طرق العرفان ومغالق مسالك التوحيد ، ومع ذلك لا يتيسر لهم إلا البلاغ من التبليغ والتوفيق ، إنما هو من عند العزيز العليم . وأكمل الرسل نبينا صلى الله الله عليه وسلم ، وأفضلْ الكتب القرآن الجامع المنزل عليه ، الناسخ لجميع ما نزل قبله من الكتب ؛ لذلك قال سبحانه على سبيل العموم : { هَـٰذَا } [ إبراهيم : 52 ] أي : القرآن { بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ } [ إبراهيم : 52 ] أي : كامل من التبليغ والإرشاد لقاطبة الأنام إلى توحيد الملك العلام ، فلك أن تتأمل يه وتتذكر به على الوجه المأمور ؛ لتتمكن من قعد الصدق عند الملك الغفور .