Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-12)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤر } أيها الإنسان الأفضل الأكمل ، الأليق لأن يفيض عليه سبحانه لطائف رموزات أسرار الربوبية ، ولوائح رقائق سرائر الألوهية اللامعة اللائحة من مقر الرحمة العامة ، والكرامة الكاملة الشاملة { تِلْكَ } الآيات المذكورة في هذه السورة { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي : بعض آيات الكتاب الجامع الناسخ للكتب السالفة { وَ } آيات { قُرْآنٍ } فرقان فارق بين الهداية والضلالة ، والرشد والغي { مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] ظاهر البيان لأولي البصائر المتأملين في حكم إيجاد الموجودات ، سيما الإنسان الكامل المميز الممتاز بأنواع الفضائل والكرامات ، سيما العقل المفاض له من العقل الكلي ليتوجه به نحو موجدهن ويتدبر به أمر مبدئه ومعاده ، ومن لم يصرفه إلى ما خُلق لأجله ، وجبل لمصلحته فقد كفر وضل ضلالاً بعيداً بمراحل عن مرتبة الإنسانية ؛ وذلك من غاية اتهمامكم في الغفلة ، وعمههم وسركتهم بمزخرفات الدنيا الدنيَّة . وحين فاقوا عن سكرتهم أحياناً { رُّبَمَا يَوَدُّ } أي : قلما يحب ويستحسن على وجه التمني { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : ستروا الحق ، ولم يصرفوا عقولهم إلى كشفه { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] مصرفين عقولهم إلى معرفة الله ، ومفوضين أمورهم كلها إليه ، ومتوكلين على الله في جميع حالاتهم ، لكن من شدة طغيانهم ، ونهاية غوايتهم وخسرانهم لم يقبلوا دعوتك ، ولم يؤمنوا بك وبكتابه يا أكمل الرسل عناداً واستكباراً ؛ حتى ينجومن خذلان الدنيا وخسران الآخرة . { ذَرْهُمْ } يا أكمل الرسل وشُغلهم في دنياهم { يَأْكُلُواْ } من مأكولاتها المورثة لأنواع المرض في قلوبهم { وَيَتَمَتَّعُواْ } بمزخرفاتها الفانية ولذاتها الوهمية { وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ } ويشغلهم عن الاشتغال بالطاعات ، ويحرمهم عن اللذات الأخروية مطلقاً { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الحجر : 3 ] قبح صنيعهم ، وسوء فعالهم حين انكشف الأمر وتبلى السرائر ، فحينئذٍ يتنبهون بما فوتوا لأنفسهم من اللذات الروحانية باعراضهم عن الله وكتابه ونبيه . { وَ } من سنتنا القديمة : إنَّا { مَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] أي : ما أردنا إهلاك قرية من القرى الهالكة إلاَّ وكتبنا أولاً في لوحنا المحفوظ ، وعلمنا القديم لإهلاكها أجلاً معلوماً ووقتاً معيناً . بحيث { مَّا تَسْبِقُ } وما تتقدم { مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } الذي عين لإهلاكها { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } [ الحجر : 5 ] عنه ، بل متى وصلوا إليه هلكوا حتماً ، بحيث لا يسع له التقديم والتأخير أصلاً . { وَ } كيف لا نهلكهم ونعذبهم بأشد العذاب ولا ننتقم عنهم ؛ إذ هم { قَالُواْ } حين دعوتك إياهم وإلقائك إليهم شعائر الإيمان والإسلام منادين لك ، مستهزئين معك متهكمين : { يٰأَيُّهَا } النبي { ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ } من عند ربه { ٱلذِّكْرُ } أي : الكتاب المبين له أمثال هذه الكلمات التي نسمع منك { إِنَّكَ } في دعوتك وادعائك النبوة والكتاب { لَمَجْنُونٌ } الحجر : 6 ] مخبط مختل العقل ، يخبطك الجن ، ويعلمك أمثال هذه الكلمات والحكايات ، تخليت أنهم ملائكة ينزلون إليك بها ، وإن اطلعت على الملائكة وصاحبت معهم ، مع أنك بشر مثلنا ؟ ! . { لَّوْ مَا } أي : هلاَّ { تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ } المنزلين إليك { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الحجر : 7 ] في دعواك حتى نراهم ونسمع قولهم ، مثل رؤيتك إياهم . قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا : { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ } لكل واحد من البشر ، بل لمن نؤتى الحكمة منه له في أصل فطرته واستعداده ، وهم الأنبياء والرسل المأمورون بالإرشاد والتكميل ، وماننزلهم { إِلاَّ } تأيدداً لهم ملتبساً { بِٱلحَقِّ } أي : بالدين الثابت المطابق للواقع ؛ ليتدين بدينهم من يتبعهم ، ويؤمن لهم إطاعةً وانقياداً ، ولو اطلع الكل على نزولهم ، ورأوا صورهم لبطل حكمة الإطاعة والإرسال والتكميل ؛ إذ الكل في الرشد والهداية على السواء حنيئذٍ { وَ } أيضاً { مَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [ الحجر : 8 ] منتظرين إلى يوم الجزاء ، إذ الكل ناجون مهديون في النشأة الأولى . { إِنَّا نَحْنُ } بمقتضى حكمتنا { نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } أي : الكتب على الأنبياء والرسل على وجه يعجز البشر عن إتيان مثله ؛ لكون ألفاضه ومعلوماته ، ونظمه واتساقه خارجة عن مقتضيات مداركهم وقولهم ؛ لذلك ينسبون أكثر الأنبياء والرسل إلى الجنون والخبط { وَ } مع ذلك { إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] عن تحريف أهل الزيغ والضلال المنحرفين عن جادة التوحيد . { وَ } لا تحزن يا أكمل الرسل من استهزائهم معك وتكذيبهم ، فإنهم من الديدنة القديمة بين أهل الضلال ، فإنا { لَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } رسلاً حين شاع أنواع الفسوف والعصيان { فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } [ الحجر : 10 ] أي : فئتهم وفرقهمز { وَ } هم من خمبث طينتهم ، وشدة شكيمتهم وضغينتهم { مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الحجر : 11 ] بأنواع الاستهزاء من نسبة الكذب والجنون ، وأنواع العيوب . { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } وندخله { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ الحجر : 12 ] الذين تعلقت إرادتنا ومشيئتنا بإهلاكهم وتعذيبهم على مقتضى أوصافنا القهرية والجلالية .