Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 13-25)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لذلك { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي : بالرسول المنزل إليهم { وَ } كيف يؤمن بك يا أكمل الرسل هؤلاء الكفرة ؛ إذ { قَدْ خَلَتْ } مضت { سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الحجر : 13 ] أي : سنة الله في الكفرة الماضين ، أو سنة كل فرقة من أسلافهم ، وهم أيضاً على أثرهم وطبقهم تقليداً لهم ؟ ! . { وَ } من خبث طينتهم ، وفسوقهم وغفلتهم { لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم } أي : على هؤلاء المستهزئين المنهمكين في الغي والضلال { بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } على خلاف العادة ليؤمنوا بك وبدينك وكتابك { فَظَلُّواْ فِيهِ } وصاروا { يَعْرُجُونَ } [ الحجر : 14 ] يصعدون منه نحو السماء ، ويستوضحون ما فيها . { لَقَالُواْ } من شدة غيهم وضلالهم : { إِنَّمَا سُكِّرَتْ } وحيرت { أَبْصَارُنَا } بسحر محمد وتلبيسه ، وإنما فُعل بنا هذا ؛ لنؤمن له ، ونصدق قوله وكتابه ، ونقبل دينه { بَلْ } أمرنا كذلك بلا شك وتردد ؛ إذ { نَحْنُ } بمشاهدة هذا الفتح والعروج { قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 15 ] مغبوطون مخبوطون ، لبس علينا الأمر هذا الشخصُ بالسحر والشعبذة . ثمَّ قال سبحانه امتناناً لعباده بتهيئة أسباب معاشهم : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا } وقدرنا { فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } اثني عشر تدور وتتبدل فيها الشمس في كل سنةٍ شتاءً وصيفاً ، ربيعاً وخريفاً ، والقمرُ في كل شهر تتميماً لأسباب معاشكم ، وتنضيجاً لأقواتكم وأثمَّاركم { وَزَيَّنَّاهَا } أي : حسناً نظمها وترتيبها ، وهيئاتها وأشكالها { لِلنَّاظِرِينَ } [ الحجر : 16 ] المتأملين في كيفية حركاها ودوراتها وانقلاباتها ؛ ليستدلوا بها على قدرة مبدعهخا ، ومتانة أمر صانعها ومخترعها إلى أن ينكشفوا بوحدة المظهر ورجوع الكل إليه . { وَ } مع ذلك { حَفِظْنَاهَا مِن } اطلاع { كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [ الحجر : 17 ] على ما فيها من السرائر والحكم المودعة . { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ } واختلس من الشياطين { ٱلسَّمْعَ } والاستطلاع من سكان السماوات ، وتكلف في الصعود والرقي نحوها { فَأَتْبَعَهُ } من كمال قهر الله إياه { شِهَابٌ } جذوةُ نارٍ على مثال كوكب { مُّبِينٌ } [ الحجر : 18 ] ظاهرٍ عند أولي الأبصار زجراً له ، ومنعاً عن الاستطلاع بالسرائر . { وَٱلأَرْضَ } أيضاً { مَدَدْنَاهَا } أي : مهَّدناها وبسطناها { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } شامخات لتقررها وتثبيتها ؛ ولتكون مقراً للمياه والعيون ، ومعدناً للجواهر { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } [ الحجر : 19 ] مطبوعٍ ملائمٍ ، تستحسنها الطباع وتستلذ به . { وَ } إنما { جَعَلْنَا } وخلقنا كل ذلك ؛ أي : العلويات والسلفليات ؛ ليحصل { لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } تعيشون بها ، وتقومون مزاجكم منها ؛ لتتمكنوا وتقدروا على سلوك طريق التوحيد والعرفان الذي هو سبب إيجادكم ، والباعث على إظهاركم ؛ إذ ما خُلقتم وجُبلتم إلاَّ لأجله { وَ } كذا معايش { مَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } [ الحجر : 20 ] من أخلاقكم وأولادكم ، وإن كنتم تظنون أنكم رازقون لهم ظناً كاذباً ، بل رزقكم وزقهم ورزق جميع من في حيطة الوجود علينا . { وَ } كيف لا يكون رزق الكل علينا { إِن مِّن شَيْءٍ } أي : ما من رطب ولا يابس مما يطلق عليه اسم الشيء { إِلاَّ عِندَنَا } أي : في حيطة قدرتنا ومشيئتنا { خَزَائِنُهُ } أي : مخزننات كل شيء عندنا لا ينتهي قدرتنا دون مقدور ، بل لنا القدرة الكاملة بإيجاد الخزائن من كل شيء { وَ } لكن اقتضت حكتمنا أنا { مَا نُنَزِّلُهُ } ونظهره { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] عندنا ، وفي حيطة علمنا ، وأجل مقدر لدينا لا اطلاع لأحد عليه ؟ ! . { وَ } من بدائع حكمتنا ، وعجائب صنعتنا { أَرْسَلْنَا } من مقام فضلنا وجودنا { ٱلرِّيَاحَ } الهابة ي فصل الربيع { لَوَاقِحَ } أي : ملقحات تجعل الأشجار حوامل بالأثمَّار { فَأَنزَلْنَا } بعد صيرورتها حوامل { مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مَاءً } لتربيتها وتنميتها { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي : وقت الصلاح والحصاد { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ } أي : للماء { بِخَازِنِينَ } [ الحجر : 22 ] حافظين ؛ أي : ليس في وسعكم وطاقتكم حفظه في الحياض والغدائر ، كذا إلقاح الأشجار وإنباتها وسقيها وإصلاحها ، وجميع ما يحتاج إليها ؛ إذ ليس عندكم خزائن كل شيء . { وَ } أيضاً من غرائب مبدعاتنا { إنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي } ونظهر على مقتضى أوصافنا اللطيفة البسيطة { وَنُمِيتُ } ونعدم على مقتضى أوصافنا القهرية القبضية { وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } [ الحجر : 23 ] الباقون بعد انتهاء المظاهر وفنائها بعد الطامة الكبرى . { وَ } من كمال علمنا وخبرتنا أنا { لَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ } المتقدمين في الوجود { مِنكُمْ } أي : من أسلافكم ، بل من شئونكم ونشأتكم التي في أصلابل آباءكم وأرحام أمهاتكم ، بل استعداداتكم في ذرائر العناصر ، بل حصصكم من الروح الأعظم { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [ الحجر : 24 ] المتأخيرين منكم في الوجود على الوجه المذكور . { وَ } بالجملة : { إِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { هُوَ } المطلع بسرائر الماضي والحال المستقبل { يَحْشُرُهُمْ } في المحشر وموعد القيامة ، والحساب والجزاء ، وكيف لا { إِنَّهُ } في اذته وأوصافه وأفعاله { حَكِيمٌ } متقن الفعل ، متين الصنع { عَلِيمٌ } [ الحجر : 25 ] لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء ؟ ! .