Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 89-99)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقُلْ } للمعاندين المنكرين : { إِنِّيۤ } بإذن ربي ووحيه إليّ { أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } [ الحجر : 89 ] والمنذر المبين ، أنذركم ببيان واضح ، وبرهان لائح ، نازلٍ عليَّ من ربي أن العقاب والعذاب سينزل على من لم يؤمن بالله ، وبوحدة ذاته ، وصفات كماله . { كَمَآ أَنْزَلْنَا } أي : مثل العذاب الذي أنزلناه من قبل { عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } [ الحجر : 90 ] وهم الرهط الذي تقاسموا أن يبيتوا صالحاً . والمقتسمون اليوم هم { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ } المعجز لفظاً ومعنىً ، نصاً ولادلة ، اقتضاءً ومطلعاً { عِضِينَ } [ الحجر : 91 ] أي : ذي أجزاء مختلفة ، بعضها حق ، لأنه مطابق للكتب السالفة ، وبعضها باطل ؛ لأنه مخالف لها ، وبعضها شِعْر ، وبعضها كهانة ، مع أن الكل هداية لا ضلال فيها أصلاً ، تعالى شأنه وكتابه عما يقولون علواً كبيراً . { فَوَرَبِّكَ } يا أكمل الرسل وعزته وجلاله { لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] أي : عن جميعهم على التفضيل . { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الحجر : 93 ] أي : يقدحون في القرآن ، وينسبون إليه من المفتريات التي هو بريء منها ، بعيد عنها بمراحل . وإذا كان نزول القرآن للهداية العامة ، والإرشاد الشامل { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } واجهر به يا أكمل الرسل ، وافرق بين الحق والباطل على الوجه المأمور فيه ، وبين الهداية والضلال { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الحجر : 94 ] واتركهم وأنفسهم ، ولا تلتفت إليهم ، ولا تتعرض لدفعهم ومنعهم إن استهزئوا بك . { إِنَّا كَفَيْنَاكَ } أذى { ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [ الحجر : 95 ] عنك ، وانتقمنا لأجلك منهم بأضعاف ما قصدوا بك من الاستهزاء والسخرية . وكيف لا ننتقم منهم ؛ إذ هم المشركون المسرفون { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ } المتوحد في ذاته وأوصافه وأفعاله { إِلـٰهاً آخَرَ } مستحقاً للعبادة { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الحجر : 96 ] عند انكشاف الحجر والأستار ، قبح ما يفترون ، وينسبون إلى الله افتراءً ومراءً . { وَلَقَدْ نَعْلَمُ } منك يا أكمل الرسل { أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ } من كظم غيظك ، ويقل صبرك على تحمل أذاهم { بِمَا يَقُولُونَ } [ الحجر : 97 ] مما لا يليق بجنابك من القدح في كلامنا ، وإثبات الشركاء لنا مع وحدة ذاتنا ، ومن استهزائهم بك ، وبمن تبعك من المؤمنين ، فعليك ألاَّ تلتفت إليهم ، ولا تسمع هذياناتهم ، وإنما عليك العبرة منهم ، وتنزيهنا وتقدسينا عن مقالاتهم . { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } إذا تسبيحك وتحميدك إيانا خير لك من استماع ما تفوهوا به مراءً { وَكُنْ } في نفسك في جميع أوقاتك وحالاتك { مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 98 ] الواضعين جباههم على تراب المذلة على قصد تعظيمنا وتبجلينا . { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ } واجتهد في سلوك طريق المعرفة { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] ويحصل لك الكشف والشهود ، ويرتفع عنك حجب الأنانية والوجود . جعلنا الله من الموقنين المنكشفين بمنِّه وجوده . خاتمة السورة علك أيها السالك القاصد لسلوك طريق التوحيد - أنجح الله آمالك - أن تبتدئ أولاً بعدما هذبت ظاهرك بالشرائع ، وباطنك بالجلاء عن الموانع ، بذكر الله الواحد الأحد الصمد ، المتصف بجميع أوصاف الكمال إلى أن يؤدي ذكرك إلى الفكر المورث للمجاهدة والانزعاج ، والشوق والابتهاج أحياناً ، وواظب عليها إلى أن يستوعب جميع أوقاتك وحالاتك ، وحينئذٍ ظهرت ولاحت على قلبك مقدمات المحبة والمودة ، والعشف المزعج المفني ، وصرت عليها زماناً إلى أن اشتاق وتعطش قلبك إلى فنائك وانقهارك في محبوبك . وفي تلك الحالة عرضت عليك الحيرة والحسرة ، والوحشة والقلق والاضطراب ، والخوف والرجاء ، واللذة والألم ، وصرت بين بين ، وأين أين ، وكيف كيف . وبالجملة : كنت في تلوينٍ وتكوينٍ ، وإطلاق وتقييدٍ ، وما هي سكراتك عند موتك الإرادي ، واضطراباتك دونها ، وحينئذٍ لا يسع لك إلاَّ الرضا والتسليم ، والتوكل والتفويض ، إلى أن جذبك الحق ، ووفقك بالتمكين والتسكين ، وأطلقك عن التقييد والتعيين ، وأفناك عنك ، وأبقاك بذاته ، وفزتَ بما فزت ، وتكون حينئذٍ { مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 98 ] قد أتاك اليقين والتمكين ، وأخلصك عن التردد والتلوين .