Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 74-88)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَجَعَلْنَا } بالزلزلة { عَالِيَهَا } أي : عالي المدينة { سَافِلَهَا } وسافلها عليها ؛ يعني : قد قلبنا دُورهم عليهم { وَ } مع ذلك { أَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً } منعقدة منضمة مركبة { مِّن سِجِّيلٍ } [ الحجر : 74 ] وهو معرب سنِّك وكل . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإهلاك والتقليب والإمطار { لآيَاتٍ } وعبر { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ الحجر : 75 ] المتأملين المتفرسين ، المتعمقين في أنية الأشياء ولميتّها حتى ينكشف عليهم أمرها وسمتها ، ولا تترددوا ولا تشكوا أيها السامعون المعتبرون في انقلاب تلك المدينة وتخريبها . { وَإِنَّهَا } أي : المدينة المذكورة { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } [ الحجر : 76 ] أي : جادة ثابتة يطرقها الناس ، ويرون آثارها وأطلالها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور من قصة إهلاك أولئك الطغاة البغاة ، الهالكين في تيه الغفلة والشهوات { لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 77 ] الخاشعين الخائفين من قهر الله وغضبه ، الراجين من عفوه ورحمته . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين المعتبرين أيضاً قصة قوم شعيب عليه السلام { إِن كَانَ } أي : إنه كان { أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } أي : الغيضة ؛ إذ هم يسكنون فيها { لَظَالِمِينَ } [ الحجر : 78 ] خارجين عن حدود الله الموضوعة للعدالة بين عباده ، المتعلقة ببخس المكيال والميزان ونقصهما . وبعدما بالغوا فيها بعثنا إليهم شعيباً عليه السلام فكذبوه ، واستهزءوا معه ، وأرادوا مقته { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } مثلما انتقمنا من قوم لوط { وَإِنَّهُمَا } أي : أصحاب سدوم والأيكة { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 79 ] أي : ملتبسين ملتصقين بسبيل واضح ، وطريق مستقيم مستبين ظاهر لائح ، جاء به كل نبي منهم ، فكذبوه عتواً وعناداً ، فأُخذوا بما أخذوا . { وَلَقَدْ كَذَّبَ } أيضاً مثل تكذيبهما { أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ } وهو وادٍ بين المدينة والشام يسكن فيها ثمود { ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الحجر : 80 ] يعني : صالحاً القائم مقام جميع الأنبياء باعتبار اتحاد المرسل به ، وهو الدعوة إلى توحيد الحق ، وذلك حين بعثنا إليهم بعدما خرجوا عن حدود الله ، وانحرفوا عن جادة توحيده . { وَ } أيدنا أمره بأن { آتَيْنَاهُمْ } معه { آيَاتِنَا } الدالة على توحيدنا { فَكَانُواْ } من نهاية عتوهم وعنادهم { عَنْهَا مُعْرِضِينَ } [ الحجر : 81 ] بحيث لا يقبلونها أصلاً . { وَ } من عاتهم المستمرة بينهم أنهم { كَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } يسكنون فيها { آمِنِينَ } [ الحجر : 82 ] من اللصوص ، وأنواع المؤذيات والحشرات . ولما لم يبالوا بالآيات والرسول ، وتمادوا على غيهم وضلالهم الذي كانوا عليه انتقمنا منهم { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } الشديدة الهائلة ، وهم حينئذٍ { مُصْبِحِينَ } [ الحجر : 83 ] داخلين في الصباح ، كقوم لوط ، فأُهلكوا بالمرة . { فَمَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الحجر : 84 ] من الأموال والأمتعة ، والعُدد الكثيرة ، والحصون المنيعة ، والأبنية الوثيقة المشيدة شيئاً من عذاب الله ونكاله . ثمَّ قال سبحانه قولاً دالاً على كمال قدرته ومشيئته ، ولطفه وقهره ، وإنعامه وانتقامه تنبيهاً على ذوي البصائر الاعتبار المتفكرين في خلق الله ، وإيجاده وإعدامه ، واستقلال تصرفاته في ملكه وملكوته : { وَمَا خَلَقْنَا } وقدرنا { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وما فيها من الآثار والمؤثرات العلوية { وَٱلأَرْضَ } وما عليها من المتأثرات السفلية { وَمَا بَيْنَهُمَآ } من الكائنات والفاسدات الحادثة في الجو باطلاً عبثاً لا عبرة لها ولا اعتبار لإظهارها وظهورها ، بل ما خَلَقْنَا مَا خَلَقْنَا { إِلاَّ } ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المثبت لأصحاب الدلائل والبراهين ، وتوحيد الحق الثابت المحقق لأرباب الكشف واليقين . { وَ } اعلموام أيها العقلاء والمكلفون المعتبرون { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ } الموعودة لانقهار التعينات ، واضمحلال التشكلات { لآتِيَةٌ } جزماً بلا تردد وشبهة فيجازي فيها كل على مقتضى ماكسبت في عالم التعينات والتطورات ، وإذا كان الكل مجازون بأعمالهم ، مسئولون عنها { فَٱصْفَحِ } يا أكمل الرسل ، وأعرض عن انتقام من يؤذيك ويريدك { ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] أي : الإعراض المستحسن عند الطباع ، واحلم معهم ، والطف عليهم . { إِنَّ رَبَّكَ } الذي ربَّاك بأنواع اللطف والكرم ، واصطفاك من بينهم بأصناف الفضائل والكمالات { هُوَ ٱلْخَلاَّقُ } لهم ولأعمالهم { ٱلْعَلِيمُ } [ الحجر : 86 ] المميز المبالغ في التمييز بين صالحها وفاسدها ، يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته . { وَ } لا تبال يا أكمل الرسل بهم ، وبما عندهم من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية ، ولا تحزن على أذاهم ، فإنا من مقام جودنا وفضلنا { لَقَدْ آتَيْنَاكَ } وأعطيناك تتميماً لتكريمك وتعظيمك { سَبْعاً } أي : سبع آيات { مِّنَ ٱلْمَثَانِي } أي : الفاتحة التي تثني نزولها تارة بمكة ، وتارة بالمدينة على عدد الصفات السبع الإلهية ؛ ليكون لك حظ من جيمعها ، والسبع الطباق الفلكية والكواكب السبعة ، والأقاليم السبعة الأرضية ، والمشتهيات السبعة الدنيوية المذكورة في كريمة : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } [ آل عمران : 14 ] لتكون عوضاً عنها ، والأدوية السبعة الجهنمية ؛ لتكون منجية منها ، فتكون الفاتحة أعظم وأولى من الدنيا وما فيها . { وَ } مع ذلك لا تقتصر عليها ، بل آتيناك { ٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } [ الحجر : 87 ] الجامع لفوائد ما في الكتب السالفة ، الناسخ لها ، المعجز لجميع من أتى بمعارضته ومقابلته . فعليك بعدما اصطفيناك يا أكمل الرسل من بين سائر الأنبياء بأمثال هذه الكرامات أن { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } نحوهم ، ولا تنظر نظر متحسر راغب ، بل نظر معتبر كاره { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } من الزخارف { أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أي : أصنافاً من الأمتعة معطاه منها للكفرة ابتلاءً لهم ، بحيث صاروا بها مفتخرين ، بطرين بين الناس { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } بعد اتباعهم لك وإيمانهم بك ؛ إذ هذه المزخرفات الدنية تحجبهم عن الإيمان ، وتعوقهم عن العرفان ؛ لأنهم مفتونون بها { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ } وابسطها كل البسط { لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 8 ] الذين يتبعونك عن خلال القلب ، وصفاء القريحة بلا شوب الرياس والسمعة ، وشين الأهوية الفاسدة .