Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-8)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لذلك أخبر سبحانه عن إتيانه ووقوعه بالجلمة الماضوية تنبيهاً على تحقق وقوعه ، فقال : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي : يومه الموعود الذي انكشفت فيه السدول ، ولاحت الأسرار ، واترتفعت حجب التعينات والأستار ، واضمحلت السّوى والأغيار ، ونودي من وراء سرادقات العز والجلال بعد انقهار الكل : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] ؟ وأيجب أيضاً من ورائها : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ، { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي : لا تستعجلوا وقوعه أيها المترددون الشاكون في أمره { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 1 ] له من الآلهة الباطلة ، ويدّعون شفاعتها لهم عند الله لدى الحاجة . بل هو الله الاحد الأحد ، الصمد الذي { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } المقربين عنده { بِٱلْرُّوحِ } أي : بالوحي الناشئ { مِنْ أَمْرِهِ } توفيقاً وتأييداً { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ } خلَّص { عِبَادِهِ } وهم الأنبياء والمرسلون المأمورون { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ } أي : بأن خوفوا عباد الله المنحرفين عن استقامة صراطه ، وجادة توحيده من بطشه وانتقامه إياهم ، وقولوا لهم نيابةً عن الله : { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ } يُعبد بالحق { إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } [ النحل : 2 ] عن مخالفة أمري وحكمي . وكيف تشركون أيها المشركون ما لا يقدر على خلق أحقر الأشياء وأضعفها للقادر الحكيم الذي { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } مع كمال عظمتها وفعتها { وَٱلأَرْضَ } بكمال بسطتها ، وإنماخلق ما خلق ، وأظهر ما أظهر ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } أي : بانبساط نور الوجود الكائن الثابت في نفسه ، وامتداد أظلال أوصافه وأسمائه عليهما ، مع أنه على صرافة وحدته ، وهما على عدميتهما الأصلية { تَعَالَىٰ } وتقدس { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 3 ] له شيئاً لا وجود له ، ولا تحقق سوى الظلية والعكسية . ولا سيما كيف يشركون أولئك الحمقى الضالون للقادر الذي { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ } وأوجده على أحسن صورة ، وأعدل تقويم { مِن نُّطْفَةٍ } دينَّة مهينة ، لا تمييز لها أصلاً ولا شعور ، وربَّاها إلى أن صار ذا رشد وتمييز وكمال ، وإدراك ودارية { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } مجادل مبالغ في امتياز الحق من الباطل ، والهداية من الضلال { مُّبِينٌ } [ النحل : 4 ] ظاهر البيان بإقامة الدلائل البراهين القاطعة ، وما هي إلاَّ من تربية مبدعها وخالقها القادر المقتدر بالإرادة والاختيار ؟ ! . { وَٱلأَنْعَامَ } أيضاً { خَلَقَهَا } وأوجدها طفيلاً للإنسان ؛ ليكون { لَكُمْ } أيها المجبولون على الكرامة الفطرية { فِيهَا دِفْءٌ } تستدفئون به من الألبسة والأغطية المتخذة من أصوافها وأشعارها وأوبارها لدفع الحر والبرد { وَمَنَافِعُ } غير ذلك من الخباء والقباء وغيرهما { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ النحل : 5 ] لتقويم مزاجكم وتعديلها من لحومها وشحومها وألبانها . { وَ } أيضاً { لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } وزينة وجاء بين أظهركم { حِينَ تُرِيحُونَ } وتجمعونها إلى المراح من المرعى وقت الرواح مملوءة الضروع والبطون { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [ النحل : 6 ] وترسلونها إلى المرعى وقت الصباح . { وَ } من أعظم فوائدها أنها { تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } أي : أحمالكم التي تستثقلونها { إِلَىٰ بَلَدٍ } بعيد { لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ } أي : لم يحصل لكم بلوغها إليها لولاها { إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } أي : بالمشقة التامة ، والعسر المفرط ، فخلقها سبحانه تيسيراً لكم وتسهيلاً ، تتميماً لتكرمكم { إِنَّ رَبَّكُمْ } الذي ربَّاكم بأنواع اللطف والكرم { لَرَؤُوفٌ } عطوف مشفق لكم ، يسهل عليكم كل عسير { رَّحِيمٌ } [ النحل : 7 ] لكم ، يوفقكم ويهيئ أسبابكم ؛ لتواظبوا على أداء ما أُفترض عليكم من كسب المعارف والحقائق الرافعة لكم إلى أرفع المنازل ، وأعلى المراتب . ثمَّ أشار سبحانه أيضاً إلى ما يضركم ، ويدفع أذاكم ، ويرفع جاهكم تتميماً لتعظيمكم وتربيتكم ، فقال : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ } إنما خلقها وأظهرها سبحانه { لِتَرْكَبُوهَا وَ } تجعلوها { زِينَةً } لأنفسكم بين بني نوعكم { وَ } بالجملة : { يَخْلُقُ } لكم ربكم على مقتضى عمله بحوائجكم ومزيناتكم { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] وتأملون أنتم لأنفسهم مما يعنيكم ويعينكم في النشأة والأخرى .