Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 9-15)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } كما يدبر سبحانه أمور معاش عباده على الوجه الأليق الأحسن بحالهم ، كذلك له أن يدبر أمور معادكم ، بل هي أولى للتبدير ؛ لذلك { عَلَىٰ ٱللَّهِ } المصلح لأحوال عباده { قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي : إرشادهم وهدياتهم إلى طريق مستقيم موصل إلى توحيده ؛ ليصلوا إليه ، ويفوزوا بما وعدوا عنده { وَ } كيف لا يرشدهم سبحانه إلى سواء السبيل { مِنْهَا } أي : من السبيل { جَآئِرٌ } مائل منصرف عن الحق وتوحيده على مقتضى أوصافه الجلالية المذلة المضلة تتميماً للقدرة الكاملة ، والسلطنة العامة الشاملة لكلا طرفي اللطف والقهر ، والجمال والجلال { وَلَوْ شَآءَ } وأراد سبحانه هدايتكم { لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [ النحل : 9 ] على مقضى تجليات الأوصاف اللطيفة الجمالية ، المثمرة للّذة الدائمة ، والسرور المستمر الغير المنقطعة ، لكن اقتضى حكمته البالغة أن يكون جنابه رفيعاً متعالياً عن أن يطّلع عله واحد بعد واحدٍ ؛ لذلك تجلى على بعض المظاهر بالأوصاف القهرية الجلالية المورثة للحزن الدائم ، والألم المخلَّد . وكيف لا يدبر سبحانه أمور عباده { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ } وأفاض { مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً } محيياً لموات الأرض ، مثل إحياء الروح الأراضي الأجساد ؛ ليحصل { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } تشربون منه ، أو تعصرونه من القصب والفواكه { وَ } يحل { مِنْهُ شَجَرٌ } أي : أنواع النباتات المستخرجة من الأرض لرعي مواشيكم ؛ { فِيهِ تُسِيمُونَ } [ النحل : 10 ] وتُسرحون دوابكم للرعي إلى أن يسمن فيؤكل . وأيضاً { يُنبِتُ لَكُمْ } أي : لقوتكم المقوم لقوتكم المقوم لمزاجكم { بِهِ ٱلزَّرْعَ } بأنواعها ؛ لتتخذوا منها أخباراً { وَٱلزَّيْتُونَ } للإدام { وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ } للتفكه والتقوت أيضاً { وَ } بالجملة : يخرج لكم به { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } تتميماً لأمور معاشكم ، وتقويماً لمزاجكم ؛ لتفكروا في آلائه ونعمائه ، وتتذكروا ذاته ؛ كي تفوزوا بمعرفته وتوحيده { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : إنعام هه النعم العظام المذكورة { لآيَةً } عظيمة ، وبينة واضحة لائحة { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 11 ] أي : يستعملون عقولهم في تفكر آلاء الله ونعمائه ؛ ليواظبوا على أداء شكرها . { وَ } من آياته سبحانه المتعلقة لتدبير أحوالكم : إنه { سَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ } لستكنوا فيه وتستريحوا { وَٱلْنَّهَارَ } لتعيشوا فيه وتكتسبوا { وَ } أيضاً { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } لإنضاج ما تتقون ، إصلاح ما تتفكهون { وَ } سخر { ٱلْنُّجُومُ } أيضاً ؛ لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ، حل كون كل منها { مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ } تابعاتٍ لحكمه وتقديره على تقدير النصب ، أو مع أن الكل مسخرات في قبضة قضائه ، يصرفها حسب إرادته ومشيئته على تقدير الرفع { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : التسخير المذكور { لآيَاتٍ } أي : في كلٍ منها دليل واضح ، وبرهان لائح { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ النحل : 12 ] ويستدلون من الآثار إلى المؤثر ، ومن المصنوعات إلى الصانع الحكيم . { وَ } سخر لكم أيضاً { مَا ذَرَأَ } وخلق { لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أشكاله وطبعه على مقتضى أهويتكم وأمزجتكم من الحوائج المتعلقة لحظوظكم وترفهكم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [ انحل : 13 ] ويتفطنون منها إلى كرامة الإنسان من بين سائر الأكوان ، وإلى خلافته ونيابته عن الله . { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ } لكم { ٱلْبَحْرَ } من كمال لطفه وتكريمه إياكم { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } وهو السمك { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً } وزينة من الجواهر النفيسة { تَلْبَسُونَهَا } وتتزينون بها ترفهاً وتنعماً { وَتَرَى } أيها الرائي { ٱلْفُلْكَ } أي : السفن { مَوَاخِرَ فِيهِ } أي : جواري مشققات للبحر ، مسيرات لمن فيها على الماء { وَ } ما ذلك إلاَّ { لِتَبْتَغُواْ } وتطلبوا { مِن فَضْلِهِ } وجوده ما يعينكم ، ويليق بكم من الحوائج والأرباح وغير ذلك { وَ } إنما سخر سبحاه ما سخر عليكم من البرح والبحر { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 14 ] رجاء أن تواظبوا وتداوموا على شكر نعمه ، وتصرفوها طلباً لمرضاته . { وَ } من رحمته ولطفه أيضاً { أَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } التي هي مستقركم ومشؤكم { رَوَاسِيَ } مخافة { أَن تَمِيدَ } وتتحرك { بِكُمْ } ولا يمكن استقراركم علهيا لاضطرابها وتزلزلها ؛ إذ هي في طبعها كرة حقيقية ، ملقاة على الماء ، مغمورة فيه ، فلما ألقاها سبحانه عنايةً منه رواسي ثقالاً ، صارت متفارقة الأطراف في الثقل ، فاستقرت وتثبتت { وَ } أيضاً جرى لكم { أَنْهَاراً } عليها ؛ كي يمكنكم الاستقساء منها لدى الحاجة { وَ } عين لكم بين الجبال الراسيات { سُبُلاً } نافذات { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ النحل : 15 ] إلى ما تقصدون من البلدان البعيدة .