Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 72-77)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱللَّهُ } المدبر المصلح لأحوال عباده { جَعَلَ لَكُمْ } تفضلاً عليكم { مِّنْ أَنْفُسِكُمْ } أي : من جنسكم ، وبني نوعكم { أَزْوَاجاً } نساءاً ، تستأذنون بهن ، وتستنسلون منهم { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ } ليخلفوا فيكم ، ويحيوا أسماءكم { وَ } جعل لكم من أبنائكم وبناتكم { حَفَدَةً } يسرعون إلى خدمتكم وطاعتكم { وَ } بالجملة : { رَزَقَكُم } الله تفضلاً عليكم وامتناناً { مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } العقوبة المقومة لأمزجتكم وبنيتكم ؛ لتواظبوا على طاعة الله ، وتداوموا الميلَ إلى جنابه ، وتلازموا شكر : نعمه { أَ } تتركون متابعة الحق الحقيق بالنعمة ، وهو القرآن المعجز ، والرسول المبين له { فَبِٱلْبَاطِلِ } الذي هو الأصنام والأوثان { يُؤْمِنُونَ } يصدقون ويعبدون { وَ } بالجملة : { بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ } النعم المكرم بأنواع الكرم { هُمْ يَكْفُرُونَ } [ النحل : 72 ] حيث صرفوها إلى خلاف ما أُمروا يصرفها ؛ إذ إعطاء النعم إياهم إنما هو لتقوية طاعة الله ، وكسب معارفه وحقائقه ، لا لعبادة الأصنام والأوثان الباطلة . { وَ } من خبث باطنهم ، وثمرة كفرانهم نعم الله أنهم { يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } المالك لأزمة الأمور الجارية في خلال الزمان والدهور { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } معنوياً روحانياً فائضاً { مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسماء ، والصفات على مقتضى الجود الإلهي { وَ } لا رزقاً صورياً جسمانياً معنوياً ؛ لاكتساب المعارف الروحانية ، مستخرجة من { ٱلأَرْضِ } أي : معالم الهيولي والطبيعة { شَيْئاً وَ } هم أيضاً { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } [ النحل : 73 ] لأنفسهم ، فكيف لغيرهم ؟ ! . { فَلاَ تَضْرِبُواْ } ولا تثبتوا أيها الجاهلون بقدر الله وعلو شأنه { لِلَّهِ } المنزه عن الأنداد والأشباه { ٱلأَمْثَالَ } إذ لا مثل ولا شبه ولا كفء ، فكيف يشاركون له دونه { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لجميع الكوائن والفواسد { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري جميع أحوالكم ، وأحوال معبوداتكم ، وما حرى عليكم وعليهم { وَأَنْتُمْ } أيها الغافلون الجاهلون بحق قدره { لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 74 ] منه شيئاً ، فكيف تضربون له مثلاً ؟ ! . بل { ضَرَبَ ٱللَّهُ } العالم بجيمع السرائر والخفايا { مَثَلاً } لنفسه ، ولمن آثبت المشركون له سبحانه شريكاً من الأصنام والأوثان مثّل سبحانه شركاءهم { عَبْداً مَّمْلُوكاً } رقيقاً لا مكاتباً { لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } من التصرف في مكاسبه بغير إذن مولاه { وَ } مثَّل سبحانه نفسه { مَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا } يعني : من أحرارنا لأرقائهم تفضلاً وإحساناً { رِزْقاً حَسَناً } حلالاً وافراً { فَهُوَ يُنْفِقُ } ويتصرف { مِنْهُ } أي : من رزقه وكسبه { سِرّاً } بحيث لا يطلع على إنفاقه أحد ، حتى الفقراء المستحقون { وَجَهْراً } وعلانية على رءوس الملأ . { هَلْ يَسْتَوُونَ } الأحرار المتصرفون أموالهم بالاستقلال والاختيار ، وأولئك العبيد المعزولون عن التصرف رأساً { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على ما أعطانا عقلاً نجزم به عدم المساواة بين الفريقين ، ونميز به الحق عن الباطل ، والهداية عن الضلال { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 75 ] الفرق بين كلا الفريقين ؛ لعدم صرفهم نعمه العقل إلى ما خُلق لأجله ، وهو الامتياز المذكور . { وَضَرَبَ ٱللَّهُ } وَهُوَ أيضاً { مَثَلاً } لنفسه ، ولتك المعبودات الباطلة ، فقال : مثَلُنا ومثَلُهم مثلُ { رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } أي : أخرس وأصم { لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } من التفهم والتفيهم { وَ } كيف يقدر على النفع للغير ؛ إذ { هُوَ } في نفسه { كَلٌّ } ثقل { عَلَىٰ مَوْلاهُ } أي : حافظه ومولي أموره { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ } ويصرفه لطلب المهام { لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } نجحٍ ونيلٍ ، وهو مثل الأصنام العاطلة الكليلة التي لا خير فيها أصلاً { هَلْ يَسْتَوِي } أيها العقلاء المميزون { هُوَ } أي : هذا الموصوف بالأوصاف المذكورة { وَمَن } هو ذو منطق فصيح معرب { يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } وينال بالخير والحسنى أينما توجهه بنفسه { وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 76 ] معتدلٍ مائلٍ عن كلا طرفي الافراط والتفريط المذمومَين ، وهو مثل لله الواحد الأحد الصمد ، المتصرف المستقل في ملكه بالإرادة والاختيار . ثمَّ أشار سبحانه إلة علو شأنه ، وسمو برهانه ، وتخصصه باطلاع المغيبات التي لا اطلاع لأحدٍ عليها ، فقال : { وَلِلَّهِ } خاصةً واستقلالاً { غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : ما فيها من جنود الله ومخلوقاته { وَ } غيب { ٱلأَرْضِ } أي : ما عليها أيضاً من جنوده ، لا اطلاع لأحدٍ منَّا عليها { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ } الموعودة ، وقصة وقوعها وقيامها بالنسبة إلى قبضة قدرته { إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } أي : كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها في القرب والدنوّ { أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } أي : بل هو أقرب من رجع الطرف ؛ إذ الآن فيه متحقق في سرعة نفوذ فضاء الله بعد تعلق إرادته ، الآن موهوم مخيل ؛ إلا تراخي بين الأمر الألهي ووقوع المأمور المراد له إلاَّ وهماً على ما مر في تفسير قوله سبحانه : { كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] ، ولا يستبعد عن الله سبحانه أمثال هذا { إِنَّ ٱللَّهَ } المتصف بجميع أوصاف الكمال { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } داخلٍ في حيطة حضرة علمه وقدرته { قَدِيرٌ } [ النحل : 77 ] لا ينتهي قدرته دون مقدورٍ أصلاً .