Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 65-71)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱللَّهُ } الهادي لعباده إلى زلال توحيده { أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ } أي : الطبيعة الهيولانية { مَآءً } أي : معارف وحقائق وعلوماً لدنية { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } أي : الطبيعة الهيلاونية { بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي : بعدما كانت عدماً صرفاً ، فاتصفت بالعلوم الإدراكات الجزئية ، وترقت منها متدرجاً إلى أن وصلت إلى مرتبة التوحيد المسقط للإضافات مطلقاً { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } التبيين والتذكير { لآيَةً } دلائل وشواهد دالة على توحيد الحق { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [ النحل : 65 ] سمع قبول وتأمل وتدبر . { وَإِنَّ لَكُمْ } أيضاً أيها المتأملون المتدبرون { فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } لو تعتبرون بها ، وتتفكرون فيها حق التفكر والتدبر لانكشفتم بعجائب صنعنا ، وكمال قدرتنا ، ومتانة حكمتنا ، وحيطة علمنا وإرادتنا ؛ إذ { نُّسْقِيكُمْ } ونُشربكم { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } أي : مما في بطون بعض الأنعام مستخرجاً { مِن بَيْنِ فَرْثٍ } أي : أخلاط وفضلات مستقرة في كرشها { وَدَمٍ } نجس سائل ، سارٍ في العروق والشرايين { لَّبَناً } طاهراً { خَالِصاً } صافياً عن كدورات كلا الطرفين ، بحيث لا يشوبه شيء منهما ، لا من لون الدم ، ولا من ريح الفرث { سَآئِغاً } سهل المرور والانحدار ، هنيئاً مرئياً { لِلشَّارِبِينَ } [ النحل : 66 ] بلا تسعر لهم في شربه ولا كلفة . { وَمِن } نسقيكم أيضاً أيها المعتبرون { ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ } بحيث { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ } أي : من عصير كل منهما { سَكَراً } خمراً ، يترتب على شرب السكر المسكر ، وهو وإن كان حراماً شرعاً ، إلاَّ أنه يدل على عجائب صنع الله ، وبدائع حكمته ، وغرائب إبداعه واختراعه { وَ } تتخذون من كل منها { رِزْقاً حَسَناً } كالتمر والزبيب ، والدبس والخل ، وأنواع الأدم { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الاتخاذ { لآيَةً } دالة على كما قدرة الله وحكمته { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ المحل : 67 ] أي : يستعملون عقولهم بالنظر والتفكر في آلاء الله ونعمائه ؛ كي يتفطنوا إلى وحدة ذاته . { وَ } من عجائب المبدعات ، وغرائب المخترعات التي يجب العبرة الاعتبار عنها : { أَوْحَىٰ } وألهم { رَبُّكَ } يا أكمل الرسل { إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } الضعيف المنحول المستحقر إظهاراً لكمال قدرته وحكمته { أَنِ ٱتَّخِذِي } أي : بأن اتخذي - أنثها باعتبار المعنى ، وإن كان لفظ النحل مذكراً - { مِنَ } شقوق { ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } تأوين إليها { وَ } كذا { مِنَ } شقوق { ٱلشَّجَرِ } في الآجام { وَ } كذا { مِمَّا يَعْرِشُونَ } [ النحل : 68 ] ويبنون لك من الأبنية والأماكن ، واصنعي فيها بالهام الله إياك بيوتات من الشمعة المتخذة من أنواع الأزهار والنباتات التي لا علم لنا بتعيينها وإحصائها كلها مسدسات ، متساويات الأضلاع والزوايا ، بحيث لا تفاوت بين أضلاعها وزواياها أصلاً ، بحيث عجز عن تصويرها حذّاق المهندسين ، فيكف عن تحقيقها وكنهها ، تاهت في بيداء ألوهيته أنظار العقل وآراؤه . { ثُمَّ } بعدما تم بناؤك { كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } التي ألهمناك أكلها { فَٱسْلُكِي } في اتخاذ العسل منها { سُبُلَ رَبِّكِ } أي : السبل التي ألهمك ربك بسلوكها على وجهها بلا انحراف واعوجاج { ذُلُلاً } مسخرة في حكمه بلا تصرف صدرت عنك . ثمَّ لما عملتْ على مقتضى ما أوحيت وألهمت { يَخْرُجُ } لكم أيها المكلفون بالإيمان والمعارف { مِن بُطُونِهَا } أي : بطون البيونات { شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أبيض وأسود ، وأخضر وأصفر { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } عن الأمراض البلغمية بالأصالة ، وعن غيرها بالتبعية { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الإلهام والوحي والخطاب على الزنبور الضعيفة بأوامر عجز عنه فحول العقلاء ، الكاملين في القوة النظرية والعلمية ، وامتثالها وصنعها على الوجه الأمور بلا فوت شيء منها { لآيَةً } أي : دليلاً واضحاً ، وبرهاناً قاطعاً لائحاً على قدرة القادر العليم ، والصانع الحكيم الذي ألهمها وأوصاها ما أوصاها { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 69 ] ويتدبرون في الأمور ، ويتعمقون فيها متدبرين في أنيتها ؛ كي يصلوا إلى لميتها . ثمَّ قال سبحانه : { وَٱللَّهُ } القادر المتقدر للإحياء والإماتة { خَلَقَكُمْ } وأظهركم من كتم العدم إظهاراً إبداعياً ، وإيحاءً اختراعياً مقدراً مدة معينة لبقائكم في النشأة الأولى { ثُمَّ } بعد انقضاء المدة المقدرة { يَتَوَفَّاكُمْ } أي : يميتكم ويفنيكم { وَمِنكُم مَّن } يقدر لبقائه في هذه النشأة مدة متطاولة ، بحيث { يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } وأخسِّه وأسوئه ، وإنما يرد بعض التاس إليه { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ } ويفهم { بَعْدَ } تعلق { عِلْمٍ } منه بمعلومٍ مخصوصٍ { شَيْئاً } من أحوال ذلك المعلوم ؛ يعني : يرجع إلى مرتبة الطفولية بعد كمال العقل ، وإنما رده سبحاه إظهاراً للقدرة الكاملة ، وتذكيراً وعبرةً للناس ؛ لئلا يطلبوا من الله طول الأعمار ، وبُعد الآجال { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لأمور عباده { عَلِيمٌ } بمصالحهم ومفاسدهم { قَدِيرٌ } [ النحل : 70 ] مقدر مقتدر للأصلح لهم تفضلاً وامتناناً . { وَٱللَّهُ } المقدر لمصالحكم أيضاً { فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } بأن قدر للبعض غنى ، وللبعض فقراً ، وللبعض كفايةً ، على حسب تفاوت مراتبهم واستعداداتهم في علم الله ، ولوح قضائه ، وقدر البعث مالكاً للبعض ، والبعض مملوكاً له { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ } بسعة الرزق والبسطة من الموالي والملاك { بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ } أي : بعض ما رزقهم الله { عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من المماليك بأن يقدّر للماليك في قسمة الله رزق ، بل { فَهُمْ } أي : المماليك والموالي { فِيهِ } أي : في تقدير الرزق وقسمته { سَوَآءٌ } أي : كما قدّر للمُلاََك قدَّر للماليك أيضاً ، غاية ما في الباب : إن الرزق المقدر للمماليك إنما يصل إليهم من يد المولي { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ النحل : 71 ] ينكرون ويكفرون بإسناد أرزاق المماليك إلى الموالي ، لا إلى الله الرزاق لجميع العباد .