Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 86-91)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } الله { إِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } حين يأسوا وقنطوا من شفاعتهم ومعاونتهم ، وعاينوهم أنهم هكلى أمثالهم { قَالُواْ } متضرعين إلى الله نادمين : { رَبَّنَا } يا من ربَّانا بأنواع اللطف والكرم ، فكَفَرنا نعمك و بك ، وبأوامرك ونواهيك الجارية على ألسنة رسلك { هَـٰؤُلآءِ } الهلكى الغاوون { شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } عناداً ومكابرةً ، وبواسطة هؤلاء الضُلاّل رَدَدْنا قول أنبيائك ورسلك وكتبك ، ثمَّ لما سمع شركاؤهم منهم قولهم هذا { فَألْقَوْا } وأجابوا { إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } : ما تَدْعُون وما تعبدون إيها الضالون الظالمون إلاَّ أهويتكم وأمانيكم { إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } [ النحل : 86 ] مقصورون على الكذب والزور في دعوى إطاعتنا وعبادتنا . { وَ } حين اضطر أولئك المشركون الضالون { أَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } أي : الاستسلام والانقياد بعدما تعنتوا واستكبروا في النشأة الأولى ، وما ينفعهم حينئذٍ انقيادهم وتسليمهم { وَضَلَّ عَنْهُم } اي : خَفِي عليهم ، وضاع عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ النحل : 87 ] على شركائهم من الشفاعة لدى الحاجة ، حتى تبرأوا منهم و كذَّبوهم . ثمَّ قال سبحانه : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وأعرضوا عن الحق بأنفسهم { وَ } مع ذلك { صَدُّواْ } ومنعا ضعفاء الأنام { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الموصِل إلى توحيده ، وهو اشرع الشريف المصطفوي { زِدْنَاهُمْ } في النشأة الأخرى بسبب ضلالهم وإضلالهم { عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] الغير عن متابعتك يا أكمل الرسل ، ويفسدون في أنفسهم . { وَ } اذكر لهم { يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } وهو نبيهم ورسولهم { وَجِئْنَا بِكَ } أي أكمل الرسل { شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } الغواة البغاة ، المنهمكين في بحر الإعراض الإضلال { وَ } الحال : أنا قد { نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } المشتمل لفوائد جميع الأديان والكتب ، وجعلناه { تِبْيَاناً } موضحاً مفصلاً { لِّكُلِّ شَيْءٍ } يُحتاج إليه من أمور الدين من الشعائر والأحكام والأركان ، والآداب والأخلاق ، واملندوبات والمحظورات ، والمواعظ والتذكيرات ، والقصص التي عتبر منها المعتبرون المسترشدون بالنسبة إلى عوام المؤمنين { وَهُدًى } إلى معارف وحقائق ، يهديهم إلى طريق التوحيد المنجي عن غياهب التقليدات والتخمينات بالنسبة إلى خواصهم . { وَرَحْمَةً } أي : كشفاً وشهوداً مترتبة على الجذبة الخطفة ، والخطوة بالنسبة إلى خواص الخواص { وَ } بالجملة : ما هو إلاَّ { بُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 89 ] المنقادين لله بسرائرهم وظواهرهم ، مفوضين أمورهم كلها إليه بلا تلعثهم وتذبذب . وكيف لا يسلمون ويفوضون { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لمصالح عباده { يَأْمُرُ } أولاً عباده { بِٱلْعَدْلِ } أي : القِسط والاعتدال في جميع الأفعال والأقوال ، والشئون والأطوار { وَٱلإحْسَانِ } ثانياً ؛ لأنهم ما لم يعتدلوا ولم يستقيموا لم يتأت لهم التخلق بأخلاق الله التي هي كمال الإحسان والعرفان { وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } ثالثاً ؛ أي : إيصال ما حصل لهم من الم عارف والحقائق ، والمكاشفات والمشاهدات إلى مستحقهم من ذوي القربى من جهة الدين ، المتوجهين نحو الحق عن ظهر القلب ، الراغبين إليه عن محض المحبة والوداد ، المتعطشين إلى زلال توحيده ؛ لأنهم ما لم يتمكنوا ويتقرروا في مرتبة الإحسان ، لم يتأت منهم الاستكمال والاسترشاد . وكما يرغِّب سبحانه عباده بموجبات الإيمان والتوحيد ، ومعظِّمات أصوله وأركانه ، ينفِّرهم أيضاً عن غوائله ومهلكاتهم ومغوياتهم ، فقال : { وَيَنْهَىٰ } أولاً { عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ } أي : إفراط القوة الشهوية الموجبة لرذالة النفس ، وسقوطها عن المروءة والعدالة المقتضية للتخلق بالأخلاق المرضية الإلهية ، وخروجها عن الحدود الشرعية الموضوعة لحفظه حكمة الزواج والتناسل بمتابعة القوى البهيمية الناشئة عن طغيان الطبيعة الهيولانية الناسوتية ، المناقية لصفاء القوى الروحانية اللاهوتية . { وَ } عن { ٱلْمُنْكَرِ } ثانياً ؛ إذ كل من رُكّب على جموح القوة الغضبية ، وأخذ سيق الهذيانات المثيرة لأنواع الفتن والبليات ، وعمل بمقتضاها ، ونبذَ الحلم والرحمة وراء ظهره ، فهو بمراحلٍ عن مرتبة الإحسان ، بل لا يرجى منه إلاَّ الخذلان والخسران { وَ } عن { ٱلْبَغْيِ } ثالثاً ؛ لأن من تمكن وتمادى على مقتضى كلتا القوتين الشهوية والغضبية فقط ، سقط عن المروءة والعدالة اللتين هما من أقوى أسباب الكمال المستلزم للإرشاد والتكميل ، ومتى سقطتا عنه فقد استكبر على خلق الله ، وتجبر ويقى وظلم ، ألا لعنة الله على الظلمين ، إنما { يَعِظُكُمْ } الله المصلح لأحوالكم بما يعظكم { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النحل : 90 ] رجاء أن تتعظوا وتتمثلوا بما أمروا ، وتجنبوا عما نهوا ؛ كي تصلوا إلى صفاء توحيده المسقط للمنافرات رأساً . { وَ } من علامة اتعاظكم وتذكركم الوفاء بالعهود والمواثيق { أَوْفُواْ } أيها الطالبون لمرتبة العدالة { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } وميثاقه الذي عهدتم مع الله بألسنة استعداداتكم في بدء فطرتكم ، وكذا بجميع العهود والمواثيق { إِذَا عَاهَدتُّمْ } مع إخوانكم ، وبني نوعكم { وَ } أيضاً { لاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ } سيما { بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } وتغليظها { وَ } كيف تنقضونها ؛ إذ { قَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ } الرقيب { عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } وكيلاً لتلك البيعة { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم ومخائلهم { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { مَا تَفْعَلُونَ } [ النحل : 91 ] من نقض الأيمان وأمراتها .