Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 92-97)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعدما علم الله منكم ما فعلتم ونقضتم من الأيمان { لاَ تَكُونُواْ } في نقضها وعدم وثوقها { كَٱلَّتِي } أي : كالمرأة التي { نَقَضَتْ } ونفقيت { غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } أي : بعدما غزلتها وفتلتها قويةً محكمةً نقضتها { أَنكَاثاً } بلا غرضٍ يترتب على نقضها سوى الجنون والجزن ، فأنتم كذلك في نقضكم أيمانكم الوثيقة بذكر الله وعلمه بلا غرضٍ منكم يتعلق بنقضها سوى أنكم { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ } أي : نقضها { دَخَلاً } أي : خديعةً ومكيدةً واقعةً { بَيْنَكُمْ } محفوظةً إلى { أَن تَكُونَ } وتقع { أُمَّةٌ } قوية { هِيَ أَرْبَىٰ } أيك أقوى وأزيد عَدَداً وعُدَداً { مِنْ أُمَّةٍ } أنتم تحلفون معهم ، فتنقضون حلف الأمة الضعيفة ، وتتبعون القوية بعد نقض العهود واليمين ، وما هذا إلاَّ مكر وخديعة مع الله ، ومع عباده { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ } ويختبركم { ٱللَّهُ بِهِ } أي : بازدياد القوية ؛ لكي يظهر أتمسكون إيمانكم أم تنقضون { وَلَيُبَيِّنَنَّ } ويوضح { لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ النحل : 92 ] فيثيبكم بالوفاء ، ويفضحكم ويعاقبكم بالنقض . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } القادر على جميع المقدورات هدايتكم جميعاً { لَجَعَلَكُمْ } وخلقكم { أُمَّةً وَاحِدَةً } منفقةً على الهداية والإسلام { وَلـٰكِن } حكمته تقتضي خلاف ذلك ، ولذلك { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } على مقتضى قهره وجلاله { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } على مقتضى لطفه وجماله { وَلَتُسْأَلُنَّ } وتحاسبنَّ كل منكم في يوم الجزاء { عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 93 ] إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . وبعدما أشار سبحانه إلى قبح المكر والخديعة باليمين والحلف ترويجاً لما في نفوسهم من الظلم والعدوان صرحَ بالنهي تأكيداً ومبالغةً ؛ ليحترز المؤمنون على أمثاله ، فقال : { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ } أيها المؤمنون { أَيْمَانَكُمْ } ومواثقيكم { دَخَلاً } أي : مفسدةً مبطنةً مخفيفةً { بَيْنَكُمْ } ترويجاً لكذبكم { فَتَزِلَّ قَدَمٌ } أي : قدم كل منكم عن شعائر الإيمان { بَعْدَ ثُبُوتِهَا } واستقرارها فيها { وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ } العذاب في النشأة الأولى { بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : بسبب ميلكم وانحرافكم عن طريق الحق الذي هو الوفاء بالعهود والمواثيق { وَلَكُمْ } بارتكاب المنهي { عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النحل : 94 ] في النشأة الأخرى بأضعاف ما في الأولى . { وَ } أيضاً { لاَ تَشْتَرُواْ } ولا تستبدلوا وتأخذوا أيها المؤمنون { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } أي : بنقض عهده ، والارتداد عن دينه { ثَمَناً قَلِيلاً } أي : حطاماً دنيوياً { إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ } لوفائكم بعهده ، وثباتكم على دينه أجر عظيم أخروي { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لبقائه وعدم زواله ودوام لذّته { إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 95 ] خيريته لاخترتم ألبتة . وكيف لا يكون ما عند الله خيراً ؛ إذ { مَا عِندَكُمْ } من حطام الدنيا ومزخرفاتها { يَنفَدُ } أي : يزول ويضمحل { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من اللذات الأخروية ، والمعارف اليقينية { بَاقٍ } بقاءً أبدياً سمردياً إلى ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله . ثمَّ قال سبحانه : { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ } على ما فوتوا من الأعراض الدنيوية ؛ بسبب ثباتهم وتقررهم على الأمور الأخروية ، ولم ينقضوا العهود والمواثيق المتعلقة بالدين ، ولم يتسبدلوا الأعلى الباقي بالأدنى الفاني ، ولحقهم بذلك ما لحقهم من المحن والشدائد القاحلة ، وضاع عنهم ما ضاع من لذاتها وشهواتها ، فصبروا على جميع ما أعطيناهم { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 96 ] أي : لنجزينهم ونثيبنهم بجزاءٍ أحسن من مقتضى عملهم ؛ لوفائهم على عهودنا ومواثيقنا ، وجريهم على مقتضى أمرنا ونهينا . { مَنْ عَمِلَ } منكم عملاً { صَالِحاً } لقبولنا ، ناشئاً { مِّن ذَكَرٍ } منك { أَوْ أُنْثَىٰ وَ } الحال أنه { هُوَ } في حين العمل { مُؤْمِنٌ } موحِّد بالله ، مصدق لرسل والكتب المنزلة إليهم ، ممتثل بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، طالب للترقي من العلم إلى العين ، ثمَّ إلى الحق { فَلَنُحْيِيَنَّهُ } بعد فنائه عن لوازم بشريته وموته ، وانخلاعه عن مقتضيات أوصاف بهيميته بإرادته واختياره { حَيَاةً طَيِّبَةً } معنوية خالصة عن وصمة الموت والفوت مطلقاً ، خالية من شوب الزوال والانقضاء ، صافية عن الكدورات المتعلقة للحياة الصورية { وَ } بالجملة : { لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم } أي : أجر عملهم وصبرهم عن مقتضيات القوى البشرية ، والحياة الصورية { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] أي : أحسن وأوفر من جزاء عملهم الذي جاءوا به حين كانوا سائرين إلينا ، طالبين الوصول إلى صفاء توحيدنا .