Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-8)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَمْدُ } المشتمل المتضمن على عموم الاثنينية والتوصيف بالأوصاف الجميلة حقيقٌ لائقٌ { لِلَّهِ } أي : للذات المستجمع لجميع مراتب الكمال ، المستحق لجميع المحامد استحقاقاً ذاتياً ووصفياً ؛ لأنه { ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } المستجمع لجميع مرابت الكمال ، المستظل بظلّ الألوهية ، المستحق لرتبة الخلافة والنيابة عنه سبحاه بالأصالة ؛ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . { ٱلْكِتَابَ } الجامع لجميع أوصاف الكمال إجمالاً وتفصيلاً ، المشتمل لعموم الأحكام المتعلقة لها ، المترتبة عليها في النشأة الأولى والأخرى ، مع كونه محتوياً على ما في الكتب السالفة من الأوامر والنواهي ، مع زياداتٍ خلت عنها تلك الكتب من الرموز والإشارات المتعلقة بالتوحيد الذاتي المسقطِ لعرق الإضافات والكثرات مطلقاً { وَ } بيَّن لهم فيه طريق التوحيد الذاتي على الوجه الأبلغ الأقوم ؛ بحيث { لَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [ الكهف : 1 ] وانحرافاً في تبيينه . بل جعله { قَيِّماً } مستقيماً معتدلاً بين طرفي الإفراط والتفريط المذمومين عقلاً وشرعاً ، وإنما أنزله إلى عبده وحبيبه صلى الله عليه وسلم { لِّيُنْذِرَ } بإنذاراته الكافرين الذين كفروا بالله وجحدوا في توحيده ، وعملوا السيئات المبعدة عن طريق النجاة { بَأْساً شَدِيداً } وعذاباً أليماً عظيماً صادراً { مِّن لَّدُنْهُ } أي : من عند الله العزيز المنتقم بطشاً لهم وانتقاماً منهم { وَيُبَشِّرَ } أيضاً بتبشراته { ٱلْمُؤْمِنِينَ } الموحدين { ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة لهم إلى مرتبة التوحيد الصادرة عنهم على مقتضى يقينهم وعرفانهم { أَنَّ لَهُمْ } أي : أن لهم { أَجْراً حَسَناً } [ الكهف : 2 ] هو التحقق بشرف اللقاء والفوز بمطالعة جمال الله والاستغراق بملاحظة وجهه الكريم . { مَّاكِثِينَ فِيهِ } أي : في الأجر الحسن دائمين { أَبَداً } [ الكهف : 3 ] مؤيداً مخلداً بلا تبديل وتغيير ، مزيدين المحبة واللذة والشوق ، متعطشين إلى زلال التفريد بلا رواءٍ أصلاً ، كما أخبر سبحانه عن حال أولئك الوالهين بقوله : " أَلاْ طَالَ شَوْقُ الأَبْرَارِ إِلَى لِقَائِيْ " . { وَيُنْذِرَ } أيضاً أشدّ إنذارٍ بأسوأ عذابٍ ووبالٍ { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } من فرط إسرافهم في الشرك والجحود وهم اليهود والنصارى : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد ، المنزه عن الأهل والولد { وَلَداً } [ الكهف : 4 ] حيث قال اليهود ، عزير ابن الله ، والنصارى : المسيح ابن الله . مع أنه { مَّا لَهُمْ بِهِ } بالله باتخاذه ولداً { مِنْ عِلْمٍ } يقينٍ أو ظنٍ متعلقٍ به وبمعناه ، وبما يترتب عليه من النقص المنافي لوجوب الوجود ؛ إذ اتخاذه إنما هو للإخلاف والمظاهرة والتزيين ، وكلاهما محالان على الله لا يليقان بجنابه ، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً { وَلاَ لآبَائِهِمْ } يعني : وإن ادعوا في إثبات الولد لله تقليد الآباء والأسلاف ، فليس لهم أيضاً علمُ بنقصه وعدم لياقته بجناب الحق المنزل المقدس في ذاته عن أمارات النقصان وعلامات الإمكان . وبالجملة : { كَبُرَتْ } أي : جلَّت وعظُمت في الكفر وسوء الأدب مع الله { كَلِمَةً } أي : مقالتهم هذه مع أنها { تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } هفوةً بلا علم وتأملٍ ، بل { إِن يَقُولُونَ } أي : ما يقولون ويقصدون بقولهم هذا { إِلاَّ كَذِباً } [ الكهف : 5 ] وافتراء يفترونه على الله ، وينسبونه إلى كتابهم ظلماً وزوراً . وبعدما كان حالهم في الافتراء والمراء على هذا المنوال ، وشدة غيظهم وشكيمتهم مع الله على هذا المثال : { فَلَعَلَّكَ } يا أكمل الرسل بمحبتك ومودتك إيمانهم وانقيادهم ، وبرجائك وتحننك إلى بيعتهم ومتابعتهم { بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } أي : قاتلها ومهلكها { عَلَىٰ آثَارِهِمْ } عندما انصرفوا عنك وذهبوا { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } أي : إن هم لم يؤمنوا ولم يصدِّقوا { بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } اي : القرآن { أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] يعني : أهلكت نفسك بكثرة التأسف والتحزن على ذهابهم وانصرافهم عنك ، وعدم إيمانهم وانقيادهم بك ، وإنْ بعثك وحَداك إلى إيمانهم واتباعهم غناهم ورئاستُهم وترفههم وجاههم وثروتهم وسيادتُهم بين الناس ، فاعلم أنه لا اعتداد لها ولا اعتبار بما يترتب عليها . { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ } من الأصول الثلاثة التي هي الحيوان والنبات والمعدن ، وما يتفرع عليها من أنواع اللذات والشهوات الجسمية الوهمية { زِينَةً لَّهَا } أو زخرفةً عليها { لِنَبْلُوَهُمْ } ونختبرهم أي : أرباب التكاليف والتدابير ، المجبولين على فطرة المعرفة والتوحيد { أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الكهف : 7 ] وأتم رشداً وعقلاً في الإعراض عنها ، وعدم الالتفات إليها والاجتناب عن لذاتها الوهمية التي هي على التقضي والانصرام ، وشهواتها المورثة لأنواع الحزن والآلام وأمانيها ، المستلزمة لأصناف الجرائم والآثام ، مع أن الضروري منها كِنّ حجْرة ، ولبْس خِرقةٍ ، وسدّ جوعة ، وباقيها حطام ليس لها دوام ، مورثة لآثام وآلام . { وَ } متى علمت أن ما في الأرض ليس إلا زينةً وزخرفة ستفْنى وتفوت عن قريبٍ ، فاعلم يقيناً { إِنَّا } بشدة حولنا وقوتنا ، وكمال قدرتنا وسطوتنا { لَجَاعِلُونَ } أي : مصيّرون مبدّلون جميع { مَا عَلَيْهَا } من الذخائر والزخارف { صَعِيداً } تراباً مرتفعة أملسَ { جُرُزاً } [ الكهف : 8 ] خاليةً منقطعةً من النبات بحيث لا تنبت أصلاً .