Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 62-74)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا جَاوَزَا } من الصخرة يوماً وليليةً عَيياً وجاعا { قَالَ } موسى { لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } أي : الذي سرنا بعدما جاوزا الصخرة { نَصَباً } [ الكهف : 62 ] تعباً وألماً ما كنا قبل كذلك . { قَالَ } يوشع متذكراً متعجباً : { أَرَأَيْتَ } يا سيدي وقت { إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } ورقدتَ عندها تستريح ، وأنا أهمّ إلى التوضؤ وأمكن عليها لأتوضأ ، فانتضح الماء إلى المكتل ، فوثب الحوت نحو البحر ، فاتخذ سبيله سرباً { فَإِنِّي } بعد تيقظك من منامك { نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } وقصته مع غرابتها وندرتها وكونها خارقةٌ للعادة { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ } أي : أذكر عنده قصته العجيبة البديعة { وَ } كيف { ٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } حين رمى نفسه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } [ الكهف : 63 ] أي : على وجهٍ يتعجب من جريه الرائي . ولما سمع مومسى من يوشع ما سمع من فَقْدِ الحوت على هذا الوجه سرّ وفرح { قَالَ } على وجه الفرح والسرور : { ذَلِكَ } الأمر الذي وقع { مَا كُنَّا نَبْغِ } ونطلب من سرفنا هذا ؛ إذ هو علامة وجدان المطلوب وأمارة حصول الإرب { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا } على الفوز ، فأخذا يقصان { قَصَصاً } [ الكهف : 64 ] لإزالة شدة السفر إلى أن وصلا الصخرة المعهودة { فَوَجَدَا } عندها { عَبْداً } كاملاً في العبودية والعرفان ؛ لأنه { مِّنْ } خُلَّص { عِبَادِنَآ } وخيارهم ، لأنا من وفور جودنا وإنعامنا عليه { آتَيْنَاهُ } أعطيناه { رَحْمَةً } كشفاً وشهوداً تاماً موهوباً له { مِّنْ عِندِنَا } تفضلاً بلا عملٍ له في مقابلتها يقتضي ذلك { وَ } مع ذلك { عَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا } بلا وسائل الكسب والتعلم والطب والاستفادة ، بل بمجرد توفيقنا وفضلنا إياه امتناناً له وإحساناً عليه { عِلْماً } [ الكهف : 65 ] متعلقاً بالغيوب ، ؛ حيث أخبر بما وقع ويقع وسيقع . فلما وصلا إليه وتشرّفا بشرف صحبته { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } على سبيل الاستفادة والاسترشاد وحسن الأدب { هَلْ أَتَّبِعُكَ } أيها المؤيد الكامل المتحقق بمراتب اليقين بتمامها الواصلُ إلى بحر الوحدة الخائضُ في لججها { عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ } وتفيدني { مِمَّا عُلِّمْتَ } من سرائر المغيبات سوابقها ولواحقها { رُشْداً } [ الكهف : 66 ] بالتوراة ؛ أي : أرشدتني مقدار استعدادي وقدُر قابليتي . قال : يا موسى كفى بالتوراة علماً ، وببني إسرائيل شغلاً . قال موسى في جوابه : إن الله أمرني بالاستفادة والاسترشاد منك فلا تمنعني ؟ . وبعدما ألحَ موسى { قَالَ إِنَّكَ } يا موسى بكمالك في العلوم الظاهرية المتعقلة بوضوح القواعد الدينية ، ونصب المعالم الشرعية ، وانتصاف الظالم من المظلوم ، وانتقامه لأجله إلى غير ذلك من الأمورم السياسية { لَن تَسْتَطِيعَ } وتقدر { مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 67 ] بل لا بدَّ لك متى اطلعت على ما يخالف الشريعة والوضع المخصوص الذي جئت به من عند ربك ، ونزلتْ التوراةُ على مقتضاه ، فعليك أن تمنعه أو تعترض عليه على مقتضى نبوتك ورسالتك على سبيل الوجوب ، والذي أنا عليه من العلوم المتعلقة بالسرائر والغيوب قد يخالف أصلك وقواعدك فلن تستطيع حينئذٍ معي صبراً . ثم اعتذر وقال : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ } يا موسى { عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [ الكهف : 68 ] أي : علماً وخبرةً واطلاعاً على سرِّه ومآله { قَالَ } موسى ملحاً عليه : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } وتعلق إرادته بصبري { صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [ الكهف : 69 ] أي : ما أخالفك فيما تفعل وما تريد على جميع ما جئتَ به من المغيبات الخارقة للعادات التي لم أُفز بسرائرها ، وهي مخالفةُ لظواهر الشرائع والأحكام . وبعدما اضطره موسى إلى القبول { قَالَ } له الخضر على سبيل التوصية والتوطئة : { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي } بعدما بالغت { فَلاَ تَسْأَلْني } أي : فعليك ألاَّ تفاتحني بالسؤال { عَن شَيءٍ } انكرتَه مني ، ووجدتَه مخالفاً لظاهر الشرع { حَتَّىٰ أُحْدِثَ } وأبيِّن { لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } [ الكهف : 70 ] بياناً واضحاً كاشفاً عن إشكالك ودغدغتك بلا سبق سؤالٍ منك . ثم لما تعاهدوا على هذا { فَٱنْطَلَقَا } يمشيان على ساحل البحر لطلب السفينة ، فمروا على سفينة فاستحملا من أهلها ، فحملوهما بلا نوالٍ ، فقربوهما إلى الساحل { حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ } على شاطئ البحر فَجرت ، فلما بلغت اللجة { خَرَقَهَا } أي : أخذ الخضر فأساً فقلع منها لوحاً أو لوحين ، فلما رأى مسى منه ما رأى أخذ يسد الخرق بثيابه { قَالَ } له مسى حينئذ على سبيل نهي المنكر : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ } بخرقها { أَهْلَهَا } إذ من خرقها يدخل الماء فيها ، فيغرقها ويغرق أهلها ، واللهِ { لَقَدْ جِئْتَ } بفعلك هذا { شَيْئاً إِمْراً } [ الكهف : 71 ] أي : منكراً عظيماً هو قصدُ إهلاكك جماعةً بلا موجبٍ شرعي . { قَالَ } له الخضر على سبيل التذكير والتشنيع : { أَلَمْ أَقُلْ } لك يا موسى من أول الأمر { إِنَّكَ } باعتيادك بظواهر العلوم { لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 72 ] . { قَالَ } موسى معتذراً متذكراً لعهده : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } أي : بنسياني وغفلتي عن وصيتك وعهدي معك { وَلاَ تُرْهِقْنِي } أي : لا تغشني ولا تحجبني { مِنْ أَمْرِي } الذي بعثني على متابعتك ، وهو الاطلاع على سرائر الأمور ومغيباتها { عُسْراً } [ الكهف : 73 ] أي : لا تحجبني عن مطلوبي بالمؤاخذة على النسيان عسراً يلحجئني إلى ترك متابعتك ، فيفوت غرضي ومطلوبي منك . وبعدما ألح واقترح معتذراً قَبِل الخضر بالضرورة عذره ، ثم لما نزلا من السفينة : { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً } صبيحاً صبياً لم يبلغ الحلم يلعب مع الصبيان { فَقَتَلَهُ } الخضر فجأة على الفور بلا صدر ذنبٍ منه وجريمةٍ ؛ بأن أخذ رأسَه وضرب إلى الجدار فجأة على الفور بلا صدور ذنبٍ منه وجريمةٍ ؛ بأن أخذ رأسَه وضرب إلى الجدار إلى أن مات ، فاشتدَّ الأمر على موسى وامتلأ من الغيظ ولم يقدر كظمه ، { قَالَ } على سبيل التقريع والتوبيخ : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً } معصومة بريئة من جميع الآثام { بِغَيْرِ } إهلاك { نَفْسٍ } صدر منه قصداً ؛ ليكون قتله قصاصاً عنه شرعاً ، مع أنه لا ولاية لك حينئذٍ على قتله وإن صدرَ عنه القتل عمداً ، والله { لَّقَدْ جِئْتَ } بإتيانك هذا { شَيْئاً نُّكْراً } [ الكهف : 74 ] في غاية النكارة ؛ إذ قتل النفس من أعظم الكبائر سيّما النفس المعصومة المنزهة عن جميع المعاصي ، سيمّا بلا جرمٍ أصلاً .