Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 137-141)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِنْ آمَنُواْ } بعدما سمعوا منكم هذه الأقوال { بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } بعد سماعكم طريق الإيمان من رسولكم { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } إلى طريق التوحيد كما اهتديتم { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن أقوالكم لهم تذكيراً وعظة { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } أي : ما هم إلا في خلافهم وشقاقهم الأصلية وعداوتهم الجلية { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } المحيط بكم وبهم ، المطلع على سرائرهم وضمائرهم مؤنة خلوفهم وشقاقهم { وَ } لا تشكو في كفايته ؛ إذ هُوَ ٱلسَّمِيعُ { } لأقوالهم الكاذبة { ٱلْعَلِيمُ } [ البقرة : 137 ] بكفرهم ونفاقهم الكامنة في قلوبهم . ثم قولوا لهم بعدما أظهروا الخلاف والشقاق : ما جئتنا به عن التوحيد الحاصل من متابعة الملة الحنيفية { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } المحيط بنا ، صبغ بها قلوبنا ؛ لنتهدي إلى صفاء تجريده وزلال تفريده { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } حتى نتبعه ؛ إلا ذ وجود لغيره { وَ } إذ لم يكن للغير وجود { نَحْنُ لَهُ } لا لغيره { عَابِدونَ } [ البقرة : 138 ] عائدون راجعون رجوع الظل إلى ذي ظل ، والصور المرئية في المرآة إلى الرائي . ثم لما طال نزاع أحبار اليهود مع المؤمنين ومجادلتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر سبحانه لحبيبه بأن يتكلم بكلام ناشئ عن لب الحكمة ، فقال : { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل كلاماً دالاً على توحيد الذات ، مسقطاً لجميع الإضافات { أَتُحَآجُّونَنَا } وتجادلوننا { فِي اللَّهِ } المظهر للكل من كتم العدم ، بإشراق تجليات أوصافه فيه ، ورش من نوره عليه { وَ } الحال أنه ليس له اختصاص ببعض دون بعض بل { هُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } بإظهار ذواتنا وذواتكم من العدم ، { وَ } بعد إظهاره إيانا { لَنَآ أَعْمَالُنَا } صالحها وفاسدها { وَلَكُمْ } أيضاً { أَعْمَالُكُمْ } الصالحة والفاسدة ، لا تسري منكم إلينا ولا منا إليكم { وَنَحْنُ } المتبعون لملة إبراهيم { لَهُ } أي : لله المظهر الظاهر بجميع الأوصاف والأسماء لا لغيره من الأظلال { مُخْلِصُونَ } [ البقرة : 139 ] متوجهون على وجه الإخلاص المنبئ عن المحبة المؤدية إلى الفناء في ذاته . جعلنا الله من خدام أحبائه المخلصين . أيسلم اليهود والنصارى ويذعنون بعدما أوضحنا لهم أنا على ملة إبراهيم دونهم ؟ { أَمْ } تعاندون { تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } تابعين لملتنا فإن كابروا وعاندوا وقالوا مثل هذا { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل مستفهماً مستوبخاً على وجه التنبيه : { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ } بحالهم { أَمِ ٱللَّهُ } ؟ النافي عنهم اليهودية والنصرانية بقوله : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً } [ آل عمران : 67 ] مائلاً منهما ، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون { وَ } بعد ما ظهر عندهم حقية دين نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتحقق موافقة ملة أبيه إبراهيم بشهادة كتبهم ورسلهم { مَنْ أَظْلَمُ } على الله { مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً } ثابتة في كتب الله التي صحت { عِندَهُ } أنها منزلة { مِنَ ٱللَّهِ } المنزل للرسل والكتب ، مصدقاً بعضها بعضاً كتماناً ناشئاً عن محض العداوة والشقاق بعد جزمهم حقيتها ومع ذلك يتوهمون كتمانها من الله أيضاً { وَمَا ٱللَّهُ } المحيط بمخايلهم { بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ البقرة : 140 ] من الكتمان والنفاق حفظاً لجاههم وجاه آبائهم . قل لمن تبعك يا أكمل الرسل تذكيراً لهم وتحذيراً : { تِلْكَ أُمَّةٌ } صالحة أو طالحة { قَدْ خَلَتْ } مضت { لَهَا } في النشأة الأخرى جزاء { مَا كَسَبَتْ } من الحسنات والسيئات في النشأة الأولى { وَلَكُمْ } فيها جزاء { مَّا كَسَبْتُمْ } فيها { وَلاَ تُسْأَلُونَ } أنتم في يوم الجزاء { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 141 ] من الصالحات والفاسدات كما لا يسألون عن أعمالكم بل كل مجزي بصنيعه ، مقتضٍ ببضاعته . نعوذ بفضلك من عذابك يا دليل المتحيرين .