Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 144-147)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما انكشف له صلى الله عليه وسلم توحيد الذات واستغرق فيها وتوجه وحوها ، وانسلخ عن الأفعال والصفات بالمرة ، انتظر صلى الله عليه وسلم الوحي المطابق لهذا الانكشاف بحسب الصورة أيضاً ، فقال سبحانه : { قَدْ نَرَىٰ } نطلع ونعلم حين انكشافك بذاتنا { تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } منتظراً للوحي المتضمن للتوجه الصوري { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ } بعد انكشافك المعنوي { قِبْلَةً } صورية { تَرْضَاهَا } مناسبة لقبلتك المعنوية { فَوَلِّ وَجْهَكَ } يا أكمل الرسل صورة { شَطْرَ } جهة { ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الذي يحرم فيه التوجه إلى غير الذات البحث المسقط للإضافة { وَ } لا تختص بهذه الكرامة لك ، بل تسري منك إلى من تبعك من المؤمنين { حَيْثُ مَا كُنْتُمْ } من مراتب الوجود { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ } الفائضة لكم إيها المؤمنون من ربكم { شَطْرَهُ } لتكونوا من المنكشفين به المهتدين بذاته { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } من اليهود والنصارى { لَيَعْلَمُونَ } يقيناً بشهادة كتبهم ورسلهم { أَنَّهُ } أي : شأن انكشافك وتحققك بالتوحيد الذاتي { ٱلْحَقُّ } الثابت المنزل { مِن رَّبِّهِمْ } أي : رباهم بإعطاء العقل المميز بن الحق والباطل ، والمحق والمبطل ، ومع ذلك ينكرون عناداً { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 144 ] من الإخفاء والستر بعد الوضوح والكشف . { وَ } الله { لَئِنْ أَتَيْتَ } يا أكمل الرسل { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ } نازلة لك دالة على توحيد الذات الذي هو مقصدك وقبلتك { مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } لانهماكهم في الغفلة والضلالة { وَمَآ أَنتَ } أيضاً بعدما انكشف لك الأمر يقيناً { بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } التي توجهوا إليها ظناً وتخميناً { وَ } أيضاً { مَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } لتفاوت ظنونهم وآرائهم { وَ } الله { لَئِنِ ٱتَّبَعْتَ } أنت يا أكمل الرسل { أَهْوَاءَهُم } الباطلة { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } اليقيني المطابق للعين بل للحق { إِنَّكَ } مع اصطفائنا إياك واجتنابنا لك { إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 145 ] المعرضين عنا بعد توفيقنا إياك وإرشادنا لك إلى الكعبة الحقيقة . هذا تهديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تهديد وحث له صلى الله عليه وسلم لدوام التوجه على ما اكشف له من توحيد الذات ، تحريض للمؤمنين على متابعته صلى الله عليه وسلم في دوام التوجه والميل إليه ، ومثله في القرآن كثير . ثم قال سبحانه : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } المبين لهم طريق توحيد الصفات والأفعال ، المنبه لهم على توحيد الذات ، وعلى من يظهر به وهم { يَعْرِفُونَهُ } بالأوصاف والخواص المبين في كتابهم { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } الذين خلقوا من أصلابهم ، بل أشد من ذلك لإمكان الخلاف فيه دونه { وَ } مع ذلك { إِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ } عناداً واستكباراً { لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } الثابت في كتابهم { وَهُمْ } أيضاً { يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 146 ] حقيته جزماً ، ويكتمونه مكابرة . { ٱلْحَقُّ } الذي هو ظهورك واستيلاؤك عليهم ، ونسخك أديانهم وأحكام كتبهم إنما هو ناشئ { مِن رَّبِّكَ } الذي أظهرك مظهراً كاملاً لذاته { فَلاَ تَكُونَنَّ } أنت ومن تبعك { مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ البقرة : 147 ] الشاكين في توحيد الذات كما كانوا .