Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 167-170)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعدما آيسوا من الانتقام { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } نادمين متحسرين متمنين : { لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } مكررة في النشأة الأولى { فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ } فيها تلافياً وتداركاً لما مضى من اتخاذنا إياهم آلهة { كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا } في هذه النشأة ، ولا تنفعهم هذه الندامة ولا التمني ، بل ما يزيدهم إلا غراماً فوق غرام { كَذَلِكَ } أي : مثل عذاب اتخاذهم { يُرِيهِمُ ٱللَّهُ } أي : يحضرهم { أَعْمَالَهُمْ } الفاسدة السابقة كلها ، ويعذبهم عليها فرداً فرداً ، وما يقولون فيه وما لهم في تلك الحالة إلا { حَسَرَاتٍ } نازلةٍ { عَلَيْهِمْ } من تذكر سوء عملهم وقبح صنيعهم ، وهذا من أسوأ العذاب وأشد العقاب ، أعاذنا الله من ذلك { وَ } بالجملة : { مَا هُم } لا تابعون ولا متبوعون { بِخَارِجِينَ } أبداً { مِنَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 167 ] أي : نار البعد والإمكان المورث للحسرة والخذلان . أجرنا من النار يا مجير . ثم لما بين سبحانه طريق توحيده على خلص عباده المتوجهين نحو جنابه ، تطهيراً لبواطنهم عن خبائث الأهواء العاطلة والآراء الفاسدة ، أراد أن يرشدهم إلى تهذيب ظواهرهم أيضاً بالخصائل الحميدة الجميلة والأخلاق المرضية ؛ ليكون ظاهرهم عنواناً لباطنهم ، فقال تعالى منادياً لهم إشفاقاً وإرشاداً : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } المجبولون على التوحيد { كُلُواْ } وتناولوا { مِمَّا } من جميع ماخلق لكم { فِي ٱلأَرْضِ } لتقويم مزاجكم وتقويته { حَلاَلاً } إذ الأصل في الأشياء الحل ما الم يرد الشرع على حرمته { طَيِّباً } مما يحصل من كد يمينكم وعرق جبينكم ؛ إذ لا رزق أطيب منه { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } أي : لا تقتدوا ولا تقنفوا في تحصيل الرزق إثر وساوس شياطين الأهواء والآراء المضلة عن طريق الحق ، والمفضية إلى سبيل الظلم والعدون ، ولا تغتروا بتمويهات الشيطان وتزييناته { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ البقرة : 168 ] ظاهر العداوة عند أولي البصائر بنور الله ، المقتبسين من مشكاة توحيده . { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ } ويغرركم { بِٱلسُّوۤءِ } الخصلة الذميمة { وَٱلْفَحْشَآءِ } الظاهر القباحة ؛ ليخرجكم عن حدود الله الموضوعة فيكم لتهذيب ظاهركم { وَأَن تَقُولُواْ } بعدما خرجتم عن حدود الشرع { عَلَى ٱللَّهِ } المتوحد المتفرد المنزه في ذاته { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 169 ] لياقته في حقه في حصره في الأنداد والأشباه ، وإثبات الولد له والمكان والجهة والجسم ، تعالى عما يوقل الظالمون علواً كبيراً . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ } أي : لمن يتبع خطوات الشيطان إمحاضاً للنصح وتحريكاً لحمية الفطرة الأصلية : { ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } على نبيه من البينات والهدى لتهتدوا إلى توحيد الله { قَالُواْ } في الجواب بإلقاء شياطينهم : لا نتبع ما ألقيتم علينا من المزخرفات { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا } وجدنا { عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } وهم أعقل منا ، قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا توبيخاً وتقريعاً لهم : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } ضالون جاهلون { لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً } من أمر الدين { وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 170 ] أصلاً إلى مرتبة اليقين ، بل كانوا كذلك ، بل أسوأ حالاً من ذلك ، فكيف تتبعهم ؟ .