Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 163-166)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِلَـٰهُكُمْ } المظهر لكم أيها المؤمنون وإله الكافرين الكاتمين { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لا تعدد فيه ولا اثنينية بل { لاَّ إِلَـٰهَ } أي : لا موجود حقيقي { إِلاَّ هُوَ } الموجود الحقيقي الحق ؛ إذ لا كثرة في الوجود ، بل هو واحد في الذات ، فرد في الصفات ، ليس كمثله شيء { ٱلرَّحْمَـٰنُ } المبدئ لكم ولهم عامة بإشراق تجلياته ومد أظلاله على العدم في النشأة الأولى { ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 163 ] المعيد لكم خاصة إلى مبدئكم الأصلي ومقصدكم الحقيقي في النشأة الأخرى . ولما كان لوحدته سبحانه آيات ودلائل واضحات لمن تأمل في عجائب مصنوعاته ، وبدائع مبدعاته ومخترعاته ، المترتبة إلى أسمائه وصفاته المستندة إلى وحدة ذاته ، أشار سبحانه إلى نبذتها إرشاداً وتنبيهاً فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : إظهار العلويات التي هي الأسماء والصفات المؤثرة الفاعلة { وَٱلأَرْضِ } أي : السفلية التي هي طبيعة العدم القابلة المتأثرة من العلويات { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ } أي : ظلمة العدم والجهل والعمى { وَٱلنَّهَارِ } نور الوجود والعلم والعين { وَٱلْفُلْكِ } أي : الأجساد الحاصلة من تأثير الأسماء وتأثير الطبيعة منها { ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } أي : بحر الوجود الذلا لا ساحل له ولا قعر { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من جواهر المعارف ، ودرر الحقائق المستخرجة منه { وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } من كرمه وجوده بلا عوض ولا غرض { مِنَ ٱلسَّمَآءِ } المعدة للإفاضة { مِن مَّآءٍ } علمٍ وعينٍ وكشفٍ { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } أي : الطبيعة { بَعْدَ مَوْتِهَا } بالجهل الجبلي { وَ } بعدما ما أصابها { بَثَّ } بسط ونشر { فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } من القوى المدركة والمحركة المتشعبتين بالشعبة الكثيرة على صنعة الحياة المتفرعة على التجلي الحي { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } المروحة للنفوس ، المتوجهة الناشئة المنشئة من النفس الرحمانية نحو الطبيعة المكدرة بالكدورات الجسمانية { وَٱلسَّحَابِ } أي : حجاب العبودية وقيود الغيرية الناشئة من مقتضيات الأسماء والصفات { ٱلْمُسَخَّرِ } الممدود { بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي : سماء الأسماء الإلهية وأرض الطبيعة الكونية { لآيَاتٍ } دلائل وبراهين يقينيةٍ دالةٍ على أن مظهر الكل واحد { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 164 ] يعلمون الأشياء بالدلائل العقلية اليقينة المنتجة لعلم اليقين إلى العين والحق لو كوشفوا . ربنا اكشف علينا ما أودعت فينا بفضلك وتوفيقك ، إنك أنت الجواد الكريم . { وَ } مع لوام هذه الآيات والدلائل الشواهد وبروق الواردات الغيبية ، وشروق المكاشفات العينية الدالة على وحدة الذات { مِنَ ٱلنَّاسِ } المخلوقين على فطرة التوحيد القابلين لها { مَن يَتَّخِذُ } منهم جهلاً وعناداً { مِن دُونِ ٱللَّهِ } المعني للكثرة مطلقاً { أَندَاداً } أمثالاً أحقاء للألوهية والربوبية مستحقين للعابدة إلى حيث { يُحِبُّونَهُمْ } أي : كلاً منه معبودهم { كَحُبِّ ٱللَّهِ } الجامع للكل لحصر كل طائفة منهم مرتبة للألوهية في مظهرٍ مخصوصٍ ، ولذلك كفروا { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله { أَشَدُّ حُبّاً } منهم { للَّهِ } المحيط للكل الحقيق بالحقية ؛ لحصرهم الألوهية والربوبية والتحقق والوجود والهوية ، والذات والحقيقة والصفات على الله لا على غيره ؛ إذ لا غير في الوجود ، لا إله إلا هو ، كل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم في النشأةالأولى ، وإليه الرجوع في النشأة الأخرى . أذقنا حلاوة اليقين وارزقنا محبة المؤمنين الموقنين . { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } حين خرجوا عن طريق التوحيد ، وانصرفوا عن الصراط المستقيم واتخذوا أمثالاً يحبونهم كحب الله ما يرون حين { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } النازل عليهم باتخاذهم من { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ } الكاملة والقدرة الشاملة الجامعة { للَّهِ جَمِيعاً } المنفرد بالمجد وإليها { وَ } من { أَنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } [ البقرة : 165 ] صعب الانتقام ، سريع الحساب ، لتبرءوا من متبوعهم في الدنيا كما تبرءوا منهم في الآخرة . اذكر يا أكمل الرسل وقت { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } من الأنداد والأمثال { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } من المتخذين { وَ } ذلك حين { رَأَوُاْ } المتبوعين { ٱلْعَذَابَ } النازل على تابعيهم باتخاذهم آلهة ، كذبوهم وأظهروا البراءة عنهم براءة نفوسهم { وَ } التابعون أيضاً يرونهم ويفهمون براءتهم ويقصدون انتقامهم ولا يستطيعون ؛ إذ { تَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } [ البقرة : 166 ] أي : أسباب الانتقام بانقطاع النشأة الأولى .