Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 186-187)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } لذلك أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم إرشاداً لعباده الشاكرين لنعمه عن تقربه إليهم بقولهم : { إِذَا سَأَلَكَ } أيها الداعي للخلق إلى لاحق { عِبَادِي } الشاكرين لنعمه { عَنِّي } بقولهم : أقريب إلينا ربنا فنناجيه مناجاتنا نفوسنا ، أم بعيد منا فنناديه نداء الأباعد ؟ قل لهم يا أكمل الرسل في جوابهم نيابة عني : { فَإِنِّي قَرِيبٌ } لهم من نفوسهم بحيث { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } استقبله سريعاً لإجابة دعائه كما أشار إليه في الحديث القدسي حكاية عنه سبحانه { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } في جميع مهماتهم وحاجاتهم { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } معتقدين بي إيصالهم إلى غاية متمناهم ؛ إذ لا مرجع لهم غيري ولا ملجأ لهم في الوجود سواي ، وإنما أُخبروا وأمروا بما أُمروا { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ] رجاء أن يتهدوا إلى مرتبة التوحيد راشدين مطمئنين . , اهدنا بلطفك إلى مقر عزك يا هادي المضلين . ثم أشار سبحانه إلى بيان أحكام الصوم مما يتعلق بالحل والحرمة فيه فقال : { أُحِلَّ لَكُمْ } أيها الصائمون { لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ } دون نهاره ؛ إذ الإمساك عن الجماع في يوم الصوم مأخوذ في تعريفه شرعاً { ٱلرَّفَثُ } الوقاع والجماع { إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } أي : مع نسائكم اللاتي { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } لا تصبرون عنهن لإفضاء طبعكم ، وميل نفوسكم إليهن { وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } أيضاً ، لا يصبرن عنكم لاشتداد شهوتهن إلى الوقاع بأضعاف ما أنتم عليه ، وإنما رخص لكم الوقاع في لياليه ؛ إذ { عَلِمَ ٱللَّهُ } المحيط بسرائركم وضمائركم { أَنَّكُمْ كُنتُمْ } لو كلفتم بها { تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي : توقعونها بأيديكم إلى الخبائث فتعاقبون عليها ، وتحرمون جزاء الصوم المتكفل لها الحق بذاته ، كما قال صلى الله عليه وسلم حكاية عنه سبحانه : " الصوم لي وأنا أجزي به " . { وَ } إذا علم سبحانه منكم ما علم { عَفَا } محا { عَنْكُمْ } ما يوقعكم إلى الفتنة والعذاب ، وهو تحريم الرفث في الليلة أيضاً ، وإذا رخص لكم الوقاع فيها { فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ } أي : ألصقوا بشرتهن لبشرتكم في ليلة الصام المرخصة فيها الجماع ، ولا تخافوا من عقوبة الله عليها بعد ما أذن { وَٱبْتَغُواْ } اطلبوا سرائر { مَا كَتَبَ } قدر { ٱللَّهُ لَكُمْ } من الولد الصالح المتفرع على اجتماعكم من نسائكم ؛ إذ سر الجماع والنزوع المستلزم له إبقاء نوع الإنسان المصور بصورة الرحمن ؛ ليترقى في العبودية والعرفان إلى أن يستخلف وينوب عنه سبحانه { وَكُلُواْ } في ليلة { وَٱشْرَبُواْ } فيها { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ } أي : إلى أن يظهر { لَكُمُ } بلا خفاية { ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ } أي : البياض الممتد الذي يقال له في العرف : الصبح الصادق { مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } البياض المتوهم قبل الصبح الصادق المعبر عنها بالصبح الكاذب ، وكلاهما { مِنَ ٱلْفَجْرِ } الشامل لهما ، وهو آخر الليل . { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ } من الوقت المبين { إِلَى } ابتداء { ٱلَّليْلِ } وهو غروب الشمس بحيث لا يرى في الأفق الشرقي بياض وحمرة منها { وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ } في ليلة الصيام أيضاً { وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ } معتكفون { فِي ٱلْمَسَٰجِدِ } إذ الاعتكاف في الشرع عبارة عن اللبث في المسجد على نية التقرب ، فيبطله الخروج إلا إلى التوضؤ والطهارة ، والجماع فيه ليس بمرخصٍ شرعاً { تِلْكَ } الأحكام المذكورة { حُدُودُ ٱللَّهِ } الحاجزة بينه وبينكم ؛ لئلا تتجاوزوا عنها { فَلاَ تَقْرَبُوهَا } إلى حيث يتوهم تجاوزكم عنها { كَذٰلِكَ } كالحدود والأحكام المأمور به والمنهية { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } الهادي إلى وحدة ذاته جميع { ءَايَٰتِهِ } أي : علاماته الدالة على توحيده الذاتي { لِلنَّاسِ } الناسين العهود السابقة بواسطة تعيناتهم { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ البقرة : 187 ] رجاء أن يتخذوا عنها بسبب إشراق نور الوجود الحق المفني لها مطلقاً .