Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 188-190)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من جملة الأحكام الموضوعة فيكم لإصلاح حالكم أن { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ } أي : لا يأكل كل منكم مال الآخر { بِٱلْبَاطِلِ } أي : بالسبب الباطل الغير المبيح له أكل مال الغير ، من السرقة والغصب والربا والرشوة ، والحيل المنسوبة إلى الشرع افتراء ، وغير ذلك مما ابتدعه الفقهاء في الوقائع من الحيل والشبه ، ونسبوها إلى السمحة الحنيفية البيضاء المحمدية ، المنبئة عن الحكمة الإلهية ، المنزهة عن أمثال تلك المزخرفات الباطلة { وَ } أيضاً من جملة الأحكام الموضوعة ألاَّ { تُدْلُواْ بِهَا } أي : لا يحاول بعضكم مال بعض { إِلَى ٱلْحُكَّامِ } المسلطين عليكم ؛ أي : لا يفتري بعضكم بعضاً افتراءً يوقع بينكم العداوة والحكومة والبغضاء المفضية إلى المصادرة المستلزمة لأخذ المال من الجانبين ، ومن أحد الجانبين { لِتَأْكُلُواْ } أي : الحكام { فَرِيقاً } بعضاً أو كلاً { مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } المظلومين { بِٱلإِثْمِ } الصادر عن المدلي والمغري { وَأَنْتُمْ } أيها المدلون { تَعْلَمُونَ } البقرة : 188 ] أنكم آثمون مفترون . بك نعتصم عن أمثاله يا ذا القوة المتين . ثم لما قدر سبحانه في سابق علمه الحضوري سؤال أولئك السائلين عن كمية ازدياد القمر وانتقاصه وبدوه رقيقاً واستكماله ، ورجوعه على ما كان عليه ، أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عما سألوه امتناناً عليه فقال : { يَسْأَلُونَكَ } أيها الداعي إلى الحق { عَنِ } كيمة تغير { ٱلأَهِلَّةِ قُلْ } واختلافها كمالاً ونقصاناً ، قل لهم في جوابهم كلاماً ناشئاً عن لسان الحكمة مطابقاً لأسلوب الحكيم مقتضى حالكم وإدراككم : إن تسألوا عن الحكم والمصالح المودعة فيها لا عن كمية أمر القمر ، فإنها خارجة عن طوق البشر ، ونهاية مدارك العقلاء من أمر القمر ليس إلا أن نوره مستفاد من الشمس ، وإنه مظلم في ذاته ، وإن استفادته النور بحسب مقابلته بالشمس ، وعدم ممانعة الأرض منها . وإمَّا أن الشمس ما هي في ذته والقمر ما هو ؟ والارتباط بينهما على أي وجه فسر ؟ لا يحوم حوله عقول أحد من خلقه ، بل مما استأثر الله به في علمه ، فلا يسأل عنه أحد ، بل { هِيَ } أي : الاختلافات الواقعة في القمر زيادة ونقصاناً ، ترقياً وتنزيلاً لأجل أنه { مَوَاقِيتُ } معينة { لِلنَّاسِ } في أمور معاشهم من الآجال المقدرة ؛ لقضاء الديون والعدة وتعليقات المتعلقة بها ، وغير ذلك من التقديرات الجارية في المعاملات بين الناس في العادات والعبادات { وَ } خصوصاً في { ٱلْحَجِّ } والصوم والنذر المعينة ، فإنها كلها تضبط باختلافات إلى غير ذلك من العبادات المؤقتة { وَ } كما أن سؤالكم هذا ليس من الأمور المبرورة المتعلقة لدينكم وتوحيدكم كذلك { لَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } لا من أبوابها . الأنصار كانوا إذا أحرموا للحج لم يدخلوا من أبواب البيوت ، بل يثقبون ظهورها ويدخلون منها يعدون هذه الفعلة من الأمور المبرورة ويعتقدونها كذلك ، لذلك نبه سبحانة على خطئهم ، وأرشدهم إلى البر الحقيقي بقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } المقبول عند الله بر { مَنِ ٱتَّقَىٰ } عن محارم الله مطلقاً حين لبس الإحرام ؛ إذ الإحرام للموت الإرادي المعبر عنه بلسان الشرع بالحج بمنزلة الكفن للموت الطبيعي ، فكا أن لابس الكفن محفوظ عن جميع المحارم اضطراراً ، كذلك لابس الإحرام لا بد أن يتقي نفسه عن جميع المحارم إرادة واختياراً { وَ } إذا لم يكن الدخول من ظهور البيوت وثيقة من البر { أْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } مغمضين عيونكم عن محارم الله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } مخلصين له خائفين منه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ البقرة : 189 ] رجاء أن تفوزوا بالفلاح من عند الله بسبب تقواكم . { وَ } من جملة الحدود الموضوعة فيكم : القتال مع أعداء دينكم { قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } مع المشركين المعرضين عن طريق الحق ، المائلين عنه تعنتاً واستكباراً وخصوصاً مع { ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } ويقصدون استئصالكم بادين للقتال مجترئين عليها { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } ولا تتجاوزوا أيها المؤمنون عما نهيتم عنه من قتل المعاهد ، والفجر والاقتحام فجأة ، والمقاتلة في الحرم وفي الشهور المحرمة ، والابتداء بالمقاتلة وغير ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ البقرة : 190 ] المتجاوزين عن الحدود والعهود .