Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 1-5)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤـمۤ } [ البقرة : 1 ] أيها الإنسان الكامل ، اللائق لخلافتنا ، الملازم لاستشكاف أسرار ربوبيتنا كيفية بركات هويتنا الذاتية السارية على صفائح المكونات ، المنتزعة عنها والمأخوذة منها . { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، المتعبد درجة كماله عن إفهام الجامع مراتب الأسماء والصفات في عالم الغيب والشهادة ، المنزل على مرتبتك يا أكمل الرسل ، الجامعة لجميع مراتب الكائنات من الأزل إلى الأبد بحيث لا يشذ عنها مرتبة أصلاً { لاَ رَيْبَ فِيهِ } بأنه منزل من عندنا لفظاً ومعنى : أمَّا لفظاً : فلعجز جماهير البلغاء ومشاهير الفصحاء عن معارضة أقصر آية منه مع وفور دواعيهم . وأمَّا معنى : فلا شتماله على جميع أحواله الحقائق العينية والأسرار الغيبية مما كان وسيكون في النشأتين ، ولا يتيسر الاطلاع عليها والإتيان بها على هذا النمط البديع إلا لمن هو علام الغيوب . وإنما أنزلناه إليك أيها اللائق لأمر الرسالة والنيابة ، لتهتدي به أنت إلى بحر الحقيقة ، وتهدي به أيضاً من تبعك من التائهين في بيداء الضلالة ؛ إذ فيه { هُدًى } عظيم { لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] الذين يحفظون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه نفوسهم عن خبائث المعاصي المانعة من الطهارة الحقيقية والوصول إلى المرتبة الإصلية . و { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } يوقنون ويذعنون بأسراره ومعارفه { بِٱلْغَيْبِ } أي : غيب الهوية الذي هو ينبوع بحر الحقيقة وإليه منتهى الكلم ، وبعد ذلك يتوجهون بمقتضيات أحكامه نحوه ، ويهدون إليه بسببه { وَيُقِيمُونَ } يديمون { ٱلصَّلٰوةَ } الميل بجميع الأعضاء والجوارح على وجه الخضوع والتذلل إلى جنابه ؛ إذ هو المقصد للكل إجمالاً وتفصيلاً ، ولكل عضو وجارحة تذلل خاص وله طريق مخصوص يناسبه ، يرشدك إلى تفاصيل الطرق ، فعله صلى الله عليه وسلم في صلاته على الوجه الذي وصل إلينا من الرواة المجتهدين - رضوان الله عليهم أجمعين - ولما تنبهوا له به بمتابعته ومالوا نحو جنابه بالميل الحقيقي بالكلية لم يبق لهم ميل إلى ما سواه من المزخرفات الفانية لذلك { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } سقنا إليهم ليكون بقياً لحياتهم ومقوماً لمزاجهم { يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] في سبيلنا طلباً لمرضاتنا وهرباً عما يشغلهم عنا ، فكيف إنفاق الفواضل ؟ . { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } ينقادون ويمتثلون { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } من الكتاب الجامع أسرار جميع ما أنزل من الكتاب السالفة على الوجه الأحسن الأبلغ ، ومن السنن ومن الأخلاق الملهمة إليك { وَ } مع ذلك صريحاً يعتقدون { مَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } من الكتب المنزلة على الأنبياء الماضين مع الإيمان بجميع الكتب المنزلة ، وإن كان كل كتاب متضمناً للإيمان بالنشأة الآخرة بل هو المقصود الأصلي من جميعها { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [ البقرة : 4 ] أفردها بالذكر ؛ اهتماماً بشأنها لكثرة المرتابين فيها . { أُوْلَـٰئِكَ } أي : جزاء أولئك المؤمنون المتعقدون بجميع الكتب المنزلة على الرسل ، والمؤمنون المذعنون بالنشأة الآخرة بل خاصة أنهم { عَلَىٰ هُدًى } عظيم { مِّن رَّبِّهِمْ } الذي رباهم بأنواع اللطف والكرم إلى أن يبلغوا إلى هذه المرتبة التي هي الاهتداء إلى جانب قدسه { وَ } مع ذلك الجزاء العظيم والنفع الجسيم { وَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ البقرة : 5 ] الفائزون ، الناجون عن مضائق الإمكان الواصلون إلى فضاء الوجوب ، رزقنا الله الوصول إليه .