Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-254)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } المخصوص بالوحي والإلهمام والإنزال { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بأنواع الفضائل والكمالات { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } معه ، وهو موسى صلوات الله عليه { وَ } منهم من { رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } وهم ما ذكرهم الله سبحانه في كتابه بقوله في مواضع : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] ورفعناه كذا في وصف أنبيائه فعليك استقصاؤها ، { وَآتَيْنَا } من نبيهم { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحة الدالة على نبوته { وَ } مع ذلك { أَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } المنزه عن رذائل الأغيار مطلقاً ، وهو الذات البحث الخالص عن جميع الاعتبارات . وكم بيَّن فضيلة عيسى عليه السلام ، وفضل نبينا صلى الله عليه وسلم ، إذ قال سبحانه في حقه : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } [ البقرة : 87 ] وفي شأنه صلى الله عليه وسلم في مقام الامتنان له : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الشرح : 1 ] أيها المظهر الكامل بذاتها ، المقدس عن السوى مطلقاً : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 2 ] أي : هويتك التي بها انفصالك عنا { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [ الشرح : 3 ] قبل انكشافك بذاتنا ، كما أنقض ظهور جميع المخلوقات الباقية وراء الحجاب وبعد ذلك { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشرح : 4 ] أي : إن وصلت إليها ورفعت الاثنينية بنا لذلك قلت : " من أطاعني فقد أطاع الله " ، وقلت أيضاً : " من رآني فقد رأى الحق " وقلنا لك : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] وغير ذلك من الرموز والإشارات الواردة في القرآن والحديث . ولم يقدر أحد من الأنبياء أن يتفوه عن الرؤية سوى نبينا صلى الله عليه وسلم ، فإنه يقول : " رأيت ربي في ليلة المعراج " ، لذلك نزل في شأنه : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] وقوله عليه السلام : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وغير ذلك من الآيات والأحاديث المشعرة للتوحيد الذاتي ، المسقط للإضافات والاعتبارات مطلقاً . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الهادي للكل هداية جميع الناس { مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ } آمنوا لهم { مِن بَعْدِهِم } خصوصاً { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } الموضحة لهم طريق الرشاد والمستخلفة فهم بين أممهم لإرشادهم ، ولكن جرت عادة الله وسنته أن يختلفوا ويقتتلوا بحسب اقتضاء أوصافه المتقابلة لذلك { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ } بنبي بُعث إليهم { وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } هدايتهم { مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } الفاعل المختار { يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ البقرة : 253 ] لا يُسأل عن فعله ، إنه حكيم حميد . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقتضى إيمانكم قطع العلائق عما سوى الله الحق خصوصاً عن مزخرفات الدنيا المانعة من الميل الحقيقي { أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم } ابتلاءً لكم { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } ولا معاوضة ولا تجارة حتى يحصلوا فيه ما فوتم لأنفسكم { وَلاَ خُلَّةٌ } حتى تتعاونوا بها وتستظهروا { وَلاَ شَفَاعَةٌ } مقبولة من أحد حتى تستشفعوا منه { وَ } بالجلمة : { ٱلْكَٰفِرُونَ } الساترون هوية الحق بهوياتهم الباطلة ، المضيفون نعم الله إليها { هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [ البقرة : 254 ] المتجاوزون عن حدود الله عناداً واستكباراً المعتقدون أصالتهم في الوجود واستقلالهم في الآثار الصادرة عنهم ، مع كونهم هالكين مستهلكين في وجود الحق وهويته إذ :