Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-53)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما ما أمرهم بتذكير النعم إجمالاً ، وحذرهم عن جواء الكفران ، أشار إلى مقدار النعم العظام التي خصصوا بها امتناناً عليهم ، فقال : { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم } أي : أذكروا وقت إنجائنا إياكم { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } الذين { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } بعلمونكم ويفضحونكم بسوء العذاب الذي لا عذاب أسوأ منه وهو أنهم { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } لئلا يبقى ذكركم في الدنيا ؛ إذ بالابن يذكر الأب ويحيا اسمه ؛ لأنه سره { وَ } أشنع من ذلك أنهم { يَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } بناتكم ليلحق العار عليكم ، بتزويجهم إياهن بلا نكاح ولا عار أشنع من ذلك ، لذلك عد موت النبات من المكرمات { وَفِي ذَٰلِكُمْ } أي : واعلموا في المحن المشار إليها { بَلاۤءٌ } اختيار لكم { مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [ البقرة : 49 ] ليجزيكم بنعمة أعظم منها ، وهو إنجاؤكم منهم واستيلاؤكم عليهم . وبعدما ابتليناكم باحتمال الشدائد والمتاعب ، ومقاساة الأحزان أردنا إنجاءكم من عذابهم وإهلاكهم بالمرة ، فأمرناكم بالسير والفرار من العدو ففرتم ليلاً ، فأصبحتم مصادفين البحر والعدو صادفكم . { وَ } اذكروا { إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ } أي : وقت تفريقنا بالفرق الكبيرة { ٱلْبَحْرَ } المتصل في بعضه ليسهل عبوركم منه ونجاتكم منه ، وبالجملة : { فَأَنجَيْنَٰكُمْ } فعبرناكم منه سالمين { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } المقتحمين بالفور خلفكم باجتماع تلك الفرق واتصال البحر على ما هو عليه في نفسه { وَأَنْتُمْ } حينئذ { تَنظُرُونَ } [ البقرة : 50 ] إلى الافتراق والاجتماع المتعاقبة ، فكيف لا تذكرونها وتشكرونها . { وَ } بعد إنجائكم من البحر سالمين ، وإغراقهم بالمرة وإيراثنا لكم أرضهم وديارهم وأموالهم اذكروا { إِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ } المتبحر في ضبط المملكة في أول الاستيلاء بأمر ، قلنا له : إن أخلصت التوجه والرجوع والميل إلينا مدة { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } متوالية متتالية - خصصها لخلوها عن الشواغل المانعة من الإخلاص - أنزلنا عليكم كتاباً جامعاً لمرتبتي الإيمان والعمل ، حاوياً على جميع التدابير والحكم الظاهرة والباطنة { ثُمَّ } لم اشتغل موسى بإنجاز الوعد ، وإيفاء العهد فذهب إلى الميقات { ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } الذي صوغتم بيدكم من حليكم بتعليم السامري ، بسبب الخوار الذي ظهر منه ابتلاء لكم وفتنة إلهاً من دون الله ، بل حصرتم الإلهية له بقولكم : هذا إلهكم وإله موسى ، فأخلفتم الوعد { مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد ذهاب موسى إلى الميقات ، وقيل رجوعه منه { وَأَنْتُمْ } بسبب خلف الوعد والا تخاذ المذكور { ظَٰلِمُونَ } [ البقرة : 51 ] خارجون عن الإيمان والتوحيد ، والعياذ بالله من ذلك . { ثُمَّ } لما تبتم ورجعتم إلينا عن صميم القلب { عَفَوْنَا عَنكُم } أي : أزلنا عن ذمتكم جزاء ذلك الظلم الذي ظلمتم { مِّن بَعْدِ } إنابتكم ورجوعكم { ذَلِكَ } وإنما أزلناه عنكم { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ البقرة : 52 ] رجاء أن تشكروا ، أو تعظموا نعمة العفو الذي هو من آثار اللطف ، والجمال المتفرع على الظلم المعفو عنه الذي هو من آثار القهر والجلال ، فتكونوا من الشاكرين الذين يشكرون الله في السراء والضراء والخصب والرخاء . { وَإِذْ } بعدما أخلفتم الوعد قبل تمامها ، وظلمتم باتخاذ العجل لم نهمل أمر موسى ، ولم نخلف الوعد الذي وعدنا معه اذكروا { آتَيْنَا مُوسَى } إنجازاً لوعدنا { ٱلْكِتَابَ } الموعود ، الجامع لأسرار الربوبية { وَٱلْفُرْقَانَ } الفارق بين الحق والباطل ، وبين الضلالة والهداية { لَعَلَّكُمْ } تقتدرون له { تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 53 ] به إلى طريق التوحيد وتجاهدون فيه إلى أن تخلصوا عن الشواغل المانعة عنا .