Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 43-48)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعدما آمنتم بالله وكتبه المنزلة على رسله ذهبتم عما نهيتم { أَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ } أديموا الميل والتقرب إلى جنابه ، وتوجهوا نحو بابه بجميع الأعضاء والجوارح ، قاصدين فيه تخلية الظاهر والباطن عن الشواغل النفسية ، والعوائق البدنية المانعة من الميل الحقيقي { وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } المطهرة لنفوسهم عن العلائق الخارجية ، والعوارض اللاحقة المثمرة لأنواع الأمراض في الباطن في البخل والحسد والحقد و غير ذلك { وَ } إن قصدتم التقرب والتوجه على الوجه الأتم الأكمل { ٱرْكَعُواْ } تذللوا وتضرعوا إليه سبحانه { مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } [ البقرة : 43 ] الذين خرجوا عن هوياتهم بالموت الإرادي ، ووصلوا إلى ما وصلوا بل اتصلوا ، لا مع الذين يراءون الناس ، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، لذلك خاطبهم الحق سبحانه على سبيل التوبيخ ، فقال : { أَتَأْمُرُونَ } أيها المراءون المدعون لليقين والعرفان { ٱلنَّاسَ } على سبيل النص والتذكير { بِٱلْبِرِّ } المقرب إلى الله { وَتَنْسَوْنَ } أنتم { أَنْفُسَكُمْ } من امتثال ما قلتم { وَ } الحال أنكم { أَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ } المشتمل على الأوامر والنواهي ، فحقكم أن تمتثلوا بها أولاً { أَ } تلتزمون تذكير الغير ، وأنتم في الغفلة { فَلاَ تَعْقِلُونَ } [ البقرة : 44 ] ثبيح صنيعكم هذا . ولما أمرتم بعد الإيحاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المطهرين لنفوسكم ظاهراً وباطناً ، فعليكم الإتيان بالمأمور على الوجه الأتم ، ولا يتيسر لكم الإتيان بها على الوجه الذي ذكر بإدامة الاستعانة { وَ } المظاهرة من الخصلتين ؛ لذلك أمر سبحانه باستعانتهما { ٱسْتَعِينُواْ } في التوجيه والتقرب إلى الله { بِٱلصَّبْرِ } عن المستلذات الجسمانية والمشتهيات المزينة { وَٱلصَّلَٰوةِ } الميل والإعراض عما سوى الحق ولا تسهلوا أمر الاستعانة ولا تخففوها { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } ثقيلة شاقة على كل واحد { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] الخاضعين . { ٱلَّذِينَ } يرفعون رين الغيرية عن العين ، ويسقطون شين الاثنينية عن البين { يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } في هذه النشأة ؛ لأنهم يعبدون إليه كأنهم يرونه { وَ } يعلمون يقيناً { أَنَّهُمْ إِلَيْهِ } لا إلى غيره ؛ إذ لا وجود للغير { رَٰجِعُونَ } [ البقرة : 46 ] عائدون صائرون في النشأة الأخرى ، اللهم اجعلنا من متبعيهم ومحبيهم . ثم لما منَّ عليهم بالنعم التي تظهر آثارها وثمراتها في العالم الروحاني بحسب النشأة الأخرى ، منَّ عليهم بالنعم التي ظهرت آثارها عليهم في العالم الجسماني بحسب النشأة الأولى ، فناداهم أيضاً مبتدئاً مذكراً بقوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ } ولا تكفروا { نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وعلى أسلافكم { وَ } اعلموا { أَنِّي } بحولي وقوتي { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } [ البقرة : 47 ] من أبناء نوعكم بفضائل أغنت شهرتها على إحصائها . وبعدما ذكرتم النعم وعرفتم المنعم المفضمل ، لا تغتروا بفضلي ولطفي بل احذروا من انتقامي وقهري { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } تحشرون إلي للجزاء ، وفي ذلك اليوم { لاَّ تَجْزِي } لا تسقط { نَفْسٌ } مطيعة كانت أو عاصية { عَن نَّفْسٍ } عاصية { شَيْئاً } من جزائها وعذابها { وَ } أيضاً { لاَ يُقْبَلُ } فيها { مِنْهَا } من النفس العاصية { شَفَٰعَةٌ } من شافع صديق حميم { وَ } كذا { لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } لتمهل مدة { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } [ البقرة : 48 ] فيه بالأعوان والأنصار ، بل كل نفس رهينة بما كسبت .