Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 13-37)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعد وصولك إلى مقام الكشف والشهود { أَنَا ٱخْتَرْتُكَ } أي : اصطفيتك من المكاشفين من أرباب الولاية للتكميل والرسالة على الناس النسين التوجه إلى بحر الحقيقة ، فعليك التوجه إلى الإهداء والتجنب عن الميل إلى الهوى { فَٱسْتَمِعْ } أي : اقتصر في تكميلك ورسالتك { لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] إليك من مقام عظيم جودنا ، ولا تلتفت إلى الأهواء الفاسدة ، حتى لا تضف أنت ، ولا تضلهم عن السبيل ، فبلّغ إلى الناس نيابة عني : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ } الواحد الأحد المحيط بجميع مراتب الأسماء { لاۤ إِلَـٰهَ } أي : لا جامع لجميع المراتب { إِلاۤ أَنَاْ } الجامعُ لجميعها ، المستحق للإطاعة والانقياد { فَٱعْبُدْنِي } أنت حق عبادتي ؛ أي : أحسن الأدب معي ، وتخلَّق بأخلاقي { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي : دوام الميل بجميع الأعضاء والجوارح { لِذِكْرِيۤ } [ طه : 14 ] أي : توجه نحوي بجميع أعضائك وجوارحك لتذكرَني بها وتشكرَني بجميعها ، حتى أنكشف لك من كلٍ منها بحيث كنتُ سمعك وبصرك وبدنك ورجلك ، إلى غير ذلك من جوارحك حتى قامت قيامتُك الكبرى ، وقمتَ بين يدي المولى ، وتمكنتَ في جنة المأوى ، عند سدرة المنتهى ، التي يرتقي وينتهي إليها عروجك في الصعود والارتقاء . ثم قال سبحانه تعليماً لعباده ، وحثاً لهم على طلب الانكشاف التام : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ } أي : ساعة الانكشاف التام على الذي لم يبق معه الطلب كانكشافك يا موسى { آتِيَةٌ } حاصلةً لكل أحدٍ من الناس دائماً في كل آنٍ ، لكن { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي : أُخفي ظهورها لهم { لِتُجْزَىٰ } أي : لتتمكن { كُلُّ نَفْسٍ } بمرتبةٍ من المراتب الإلهية { بِمَا تَسْعَىٰ } [ طه : 15 ] أي : بسبب ما تجتهد فيه ، وتكتسب من امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي الجارية على ألسنة الرسل ؛ يبطل سر التكليف والتشريع . وإذا كان الأمر كذلك { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } أي : فلا يصرفك عن الأم بالانكشاف التام إعراضُ { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } تقليداً ، حتى يطلبها تحقيقاً ، بل أنكرها وأعرضَ عنها { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } المضلةُ في تيه الغفلة والحرمان { فَتَرْدَىٰ } [ طه : 16 ] فتهلك بداء الجهل والخذلان . وإذ اخترناك للرسالة العامة ، وهبنا لك شاهداً أصدق على دعواك الرسالة ؛ لذلك سألناك أولاً بقولنا { وَمَا تِلْكَ } الخشيةُ التي حملتَها { بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طن : 17 ] المستكشفُ على حقائق الأشياء ؛ يعني : هل تعرف فوائدها وما تترتب عليها ، وما تؤول هي عليها ، أم لا ؟ . { قَالَ } موسى على مقتضى علمه بها : { هِيَ } أي : هذه الخشبة { عَصَايَ } أستعينُ بها في بعض الأمور ، وإذا عييتُ وتعبتُ { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَ } إذا احتجت إلى هشِّ الورق ، وإسقاطه من الشجر لرعي الغنم { أَهُشُّ } وأُسط { بِهَا } ليكون علفاً { عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا } غير ذلك { مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] من الاستظلال ، ودفع الهوام ، مقاتلة العدو إلى غير ذلك . { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } [ طه : 19 ] حتى تشهد آيتنا الكبرى { فَأَلْقَاهَا } امتثالاً للأمر الإلهي { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] تشمي علي بطنها كسائر الحيات ، فخاف وموسى منها ، وتضيق صدره من قلة رسوخه وعدم تمرنه بابتلاءات الله واختباراته ؛ لأنه كان في أوائل حاله . { قَالَ } سبحانه بعدما ظهرت أمارات الوجل منه : { خُذْهَا } هي عصاك يا موسى { وَلاَ تَخَفْ } من صورتها الحادثة ، فإنا من كمال قدرتنا { سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا } وصورتها { ٱلأُولَىٰ } [ طه : 21 ] التي هي في يدك ، استعنتَ بها في بعض الأمور ، وإنما بدلنا صورتها لتتنبه على أن لنا القدرة على إحياء الجمادات التي هي أبعد بمراحل عن إهداء الضالين من الأحياء . { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ } ذات شعاعٍ محيٍّرٍ للعقول والأبصار { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي : من غير حجاب يسترها وينُقص من نورها ؛ لتكون { آيَةً أُخْرَىٰ } [ طه : 22 ] لك أجلى من الآية السابقة . وإنما أريناك الآيات قبل إرسالك من أرسلناك { لِنُرِيَكَ } أولاً { مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } [ طه : 23 ] فيطمئن بها قلبك ، ويقوى ظهرك بإمدادنا لك في رسالتك ، وتأييدنا إياك فيها . فإذا اطمئن قلبك وقوي ظهرك { ٱذْهَبْ } أيها الهادي بإهدائنا وتوفيقنا نيابةً عنا { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } الضال المستغرق في بحر العتو والعناد { إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 24 ] أي : ظهر علينا مستكبراً بقوله للضعفة : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] فبلِّغ إنذاراتنا وتخويفاتنا ، وزد عليها الدلائل العقلية والنقلية والكشفية ؛ لعله يتنبه بها ، وينزجر بسببها عما عليه من العتو والعناد . وبعدما سمع موسى خطاب الله إياه { قَالَ } مشمِّرَ الذيل إلى الذهاب طالباً التوفيق من رب الأرباب : { رَبِّ } يا من ربَّاني بأنواع اللطف والكرم ، وأعطائي الآيتين الكريمتين العظيمتين ؛ لتكوننا شاهدين على صدقي في دعواي { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } [ طه : 25 ] أي : وسِّع لبي ؛ بحيث لا يخطر ببالي خوفُ من العدو أصلاً . { وَ } مع ذلك { يَسِّرْ } وسهِّل { لِيۤ أَمْرِي } [ طه : 26 ] هذا ؛ بحيث لا أضطربُ في تبليغه ، ولا أستوحشُ من جاه فرعون وشوكته . { وَ } إذا شرعُت لأداء الرسالة { ٱحْلُلْ } وارفع لكنةً عارضةً من مهابة العدو ، سيما هذا الطاغي { عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } [ طه : 27 ] كي { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 28 ] وغرضي منها . { وَ } إذا أوقعتني لأداء رسالتك يا ربي { ٱجْعَل لِّي وَزِيراً } ظهيراً ، يصدِّقني في أمري ، ويعينني عليه ، ولا تجعل ظهيري من الأجانب ؛ لقلة شفقتهم عليَّ وعطفهم بي ، بل اجعله { مِّنْ أَهْلِي } [ طه : 29 ] وأقربائي أولى ، وهو { هَارُونَ } إذ هو { أَخِي } [ طه : 30 ] الأكبر بمنزلة الأب في الشفقة ، وإذا جعلتَ هارون وزيري { ٱشْدُدْ بِهِ } أي : أقوِّ وأحكم بسببه يا معيني ومغيثي { أَزْرِي } [ طه : 31 ] أي : ظهري { وَ } لا يتحقق تقويته على حقيقته إلا بعد اشتراك معي في أداء الرسالة { أَشْرِكْهُ } يا ربي { فِيۤ أَمْرِي } [ طه : 32 ] ورسالتي ، بأن تنكشف عليه كما انكشفت لي ؛ ليكون من المكاشفين ، الموقنين بوحدانيتك يا ربي ، الممتثلين بأوامرك ، المجتنبين عن نواهيك . وإنما سأتلك يا ربي الإعانة بأخي { كَيْ نُسَبِّحَكَ } ونقدَس ذاتَك عما لا يليق بشأنك تقديساً { كَثِيراً } [ طه : 33 ] . { وَنَذْكُرَكَ } ونناجيك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظمى ذكراً { كَثِيراً } [ طه : 34 ] . وكيف لا نسبحك ونَذْكُرِك { إِنَّكَ } بذاتك وأوصافك وأسماءك { كُنتَ } محيطاً { بِنَا بَصِيراً } [ طه : 35 ] بجمع أحوالنا . { قَالَ } تعالى رفقاً له وامتناناً عليه ؛ لرجوعه إليه بالكلية : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ } أي : قد حصل لك جمع مطالبك ؛ لتوجهك علينا ، ورجوعك إلينا { يٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] . كيف { وَلَقَدْ } أنعمنا عليك حين لا ترقَبِ لك ولا شعور بأن { مَنَنَّا عَلَيْكَ } من وفور رحمتنا وشفقتنا لك { مَرَّةً أُخْرَىٰ } [ طه : 37 ] .