Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-12)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ طه } [ طه : 1 ] طالب الهدياة العامة على كافرة البرايا . { مَآ أَنَزَلْنَا } من مقام إرشادنا وتكملينا { عَلَيْكَ } أيها المتوجهُ إلى السعادة الأبدية ، المعِرضُ عن الشقاوة { ٱلْقُرْآنَ } الفرقانَ بين الهداية والضلالة ، والسعادة والشقاوة { لِتَشْقَىٰ } [ طه : 2 ] أي : لتكون شقياً بنزوله بعدما كنت سعيداً قبله كما توهمه الكفار . بل ما أنزلناه { إِلاَّ تَذْكِرَةً } للسعادة العظمة لك ولمن تبعك ، لا لكل أحدٍ مهم بل { لِّمَن يَخْشَىٰ } [ طه : 3 ] من إنذاراته وتخويفاته ، وامتثل بأوامره ، واجتنب عن نواهيه ؛ إذ أنزل القرآن عليك من عموم رحمتنا على كافة الخلق . لذلك نزلناه { تَنزِيلاً مِّمَّنْ } أي : من سامنا الذي بواسطته { خَلَقَ ٱلأَرْضَ } أي : أوجدنا العالم السفلي { وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } [ طه : 4 ] أي : العالم العلوي ، وذلك السام هو { ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذي ظهر واستقر بالرحمة العامة { عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي : على عروش الذرائر ، بحيث لا يخرج عن حيطة علمه ذرةُ من الذرات ، بل { ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] . على جميعها إذ { لَهُ } الاستيلاءُ والإحاطةُ التامةُ على { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَ } على { مَا } ظهر { فِي ٱلأَرْضِ } من الكائنات والفاسدات { وَ } كذا على { مَا } ظهر { بَيْنَهُمَا } من الأمور الكائنة فيها { وَ } كذا { مَا } هو كائنُ وسيكون { تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [ طه : 6 ] . هذا باعتبار ظهوره واستيلائه على الآفاق الخارجة عنك { وَ } أما ظهوره واستيلاؤه على نفسك ، فإنه يستولي على ذاتك وأفعالك وأقوالك ؛ بحيث { إِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ } القولَ بالجهر منك ، الذي تعلمه أنت أيضاً وغيرك ، بل { ٱلسِّرَّ } الذي لا يعلمه غيرك { وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] من السرِّ الذي لا تعلمه أنت أيضاً من مقتضيات استعداداتك قبل الخطور ببالك . وإذا كان الحق محيطاً ومستولياً على عروش ما ظهر وما بطن ، فلا يكون الموجود الثابت إلا { ٱللَّهُ } أي : مسمى هذا الاسم الجامع جميع مراتب العالم بحيث لا يخرج عن حيطته شيء أصلاً ؛ إذ { لاۤ إِلَـٰهَ } أي : لا موجوداً { إِلاَّ هُوَ } أي : هذا المسمى الذي لا تعدد فيه أصلاً ، فيكون أحداً صمداً فرداً وتراً ، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً . غايةُ ما في الباب أن { لَهُ } أي : لهذا المسمى { ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ طه : 8 ] الكليةُ التي جزئياتها لا تُعدُّ ولا تُحصى ، وباختلاف الأسماء ، اختلفت الظهورات والتجليات عن المسمى . وكما نبهناك يا أكمل الرسل على ظهورنا في الكائنات مجملاً ، نبَّهناك عليها مفصلاً { وَ } ذلك أنه { هَلْ أَتَاكَ } أي : قد ثبت و تحقق عندك الكليم { حَدِيثُ مُوسَىٰ } [ طه : 9 ] أي : قصةُ انكشافه من النار التي احتاج إليها هو وأهله في الليلة الشاتية المظلمة ، وقت { إِذْ رَأَى نَاراً } مطلوبةً لدفع البرودة ، ولوجدان الطريق في الظلمة { فَقَالَ لأَهْلِهِ } المحتاجين إليها في تلك الليلة : { ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ } أو أنس عندها مع إنسان استخبره عن الطريق ، وحين رجوعي إليكم { آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } تتصطلون به { أَوْ } أتخذ منها سراجاً { أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ } اي : مع السراج المسرجة منها { هُدًى } [ طه : 10 ] طريقاً موصلاً إلى مطلوبنا . { فَلَمَّآ أَتَاهَا } مسرعاً ؛ ليرجع إليهم دفعةً { نُودِيَ } من جانب الشجرة الموقدة ليقبل إليها فينكشف منها { يٰمُوسَىٰ } [ طه : 11 ] المتحير في بيداء الطلب : اطلبني من هذه الشجرة الموقدة ، ولا تستبعد ظهوري فيها حتى أنكشف لك منها . { إِنِّيۤ } وإن ظهرتُ على هذه الصورة المطلوبة لك هذا { أَنَاْ رَبُّكَ } أي : مطلوبك الحقيقي الذي ربيتك بأنواع اللطف والكرم ، وابتليتك بأنواع البلاء في طريق المجاهدة ؛ لتتوجه إليُّ فتعرفني ، فالآن ارتفعت الحجب والقيود ، وتحققتَ بمقام الكشف والشهود { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } فاسترح عن الطلب بعد وجدان الرب ، وتمكْن ي مقعد الصدق { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } عن رذائل الأغيار { طُوًى } [ طه : 12 ] أي : طويتَ التوجُّه إلى الغير ، ولم يبقَ لك احتياج إلى الاستكمال .