Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 65-76)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما أتى السحرة صافين إلى المجلس على الوجه الذي أمروا { قَالُواْ } من فرط عتوهم واستيلائهم : { يٰمُوسَىٰ } نادوه استحقاراً واستذلالاً { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } أولاً ما تلقيتَ وجئتَ به في مقابلتنا { وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } [ طه : 65 ] ما تلقينا في مقابلتك ، فالأمران عندنا سيَّان ؛ لأننا عصبة ومعنا جميع هذه الخلائق ، وأنت ضعيفُ ليس معك إلا أخوك . { قَالَ } موسى : لا تضعفوني أيها الحمقى إن معي ربي سيقويني إن شاء ، ويغلبني على جميع من في الأرض { بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً أيها المغرورين فألقوا { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } التي يسحرون بها { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } أي : إلى موسى { مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] بذاتها . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] أي : أضمر في نفسه خوفاً من غلبتهم عليه . ثم لما عَلِمنا من موسى خوفه { قُلْنَا } له تشريحاً لصدره وإزالةً لخوفه : { لاَ تَخَفْ } أيها لامرشد من عندنا من تمثالاتهم الغير المطابقة للمواقع { إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 68 ] أي : الغالب عليهم بعد إلقائك { وَ } بعدما أطمأن قلبك بوحينا لك هذا { أَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } يعني : عصاك بالجراءة التامة والقدرة الغالبة بلا جبنٍ وتزلزلٍ { تَلْقَفْ } أي : تبلع وتلتقم { مَا صَنَعُوۤاْ } لمعارضتك { إِنَّمَا } التماثيل التي { صَنَعُواْ } ليس لها اعتباْ بل ما هي إلا { كَيْدُ سَاحِرٍ } وحيلةُ ماكرٍ { وَلاَ يُفْلِحُ } ويَغلِبُ { ٱلسَّاحِرُ } بحيله وسحره { حَيْثُ أَتَىٰ } [ طه : 69 ] أي : في أي مكان أتى به ، سواءً كان عند معاونيه أو في مكانٍ آخر . فألقى موسى عصاه امتثالاً لأمر ربه ، فصار ثعباناً فابتلع حبالهم جميعاً مجتمعين { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ } مجتمعين { سُجَّداً } متذللين نادمين من معارضتهم { قَالُوۤاْ } بلسانهم موافقاً لقلوبهم : { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [ طه : 70 ] بأن له القدرة والاختيار لا يعارَض فعله أصلاً ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . { قَالَ } لهم فرعون على سبيل التقريع والتوبيخ بعدما سمع إيمانهم ، وتلذللهم عند موسى : { آمَنتُمْ لَهُ } وسلَّمتم سحرَه بلا استئذان مني ، بل { قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } بتسليمه فظهر عندي { إِنَّهُ } أي : موسى { لَكَبِيرُكُمُ } أي : معلمكم ومقتداتكم { ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } في خلوتكم معه ، فاتفقتم معه حتى تخرجوني من ملكي ، فواعزتي وجلالي وعظم شأني لأنتقمن منكم انتقاماً شديداً { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } أولاً { مِّنْ خِلاَفٍ } أي : متبادلين { وَ } بعد ذلك { لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } حتى يعتبر منكم من كان في قلبه بغضي وعداوتي ، وإن ىمنتم خوفاً من شدة عذاب ربه ودوامه { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } [ طه : 71 ] وأدومُ عقاباً ، أنا ، أم رب موسى ؟ ! . { قَالُواْ } بعدما كوشفوا بما كوشفوا : { لَن نُّؤْثِرَكَ } ونرجحك يا فرعون { عَلَىٰ مَا جَآءَنَا } ونكشف علينا من الحق الصريح سيَّما بعد ظهور المرجحات { مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحات الدالة على إيثاره وترجيحه ، مع أنه لا بينة لك سوى ما جئنا به من السحر من قبلك وهو يبطله . { وَ } بالجملة : كوشفنا الآن بأنه سبحانه هو { ٱلَّذِي فَطَرَنَا } وأوجدنا من كتم العدم بكمال الاستقلال والاختيار فله التصرف فينا ولا نبال بتخويفك وتهديدك يا فرعون الطاغي ، وبالجلمة { فَٱقْضِ } أي : امض علينا { مَآ أَنتَ } عليه { قَاضٍ } راضٍ من القطع والصلب وغير ذلك ؛ لأنك { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } [ طه : 72 ] أي : ما تقضي وتحكم أنت أي حكمٍ تحببت ، ما هي إلا في هذه الحياة الفانية المستعارة ؛ إذ حكومتك مقوصرة عليها ، والدنيا وعذابها فانيةُ حقيرةُ ، والآخرة وعقابها باقيةُ عظيمةُ . لذلك { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } الذي ربانا بأنواع النعم ، فكفرنا له وأشركناك مع تعاليه عن الشريك والكفء والنظير ، فالآن ظهر الحق وارتفع الحجب ، فرجعنا إليه واستغفرنا منه من ذنوبنا { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَ } خصوصاً { مَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } بمعارضة المعجزة { وَ } بعد رجوعنا إليه تحقق عندنا أنه ؛ أي : { ٱللَّهُ خَيْرٌ } منك ومن كل ما سواه { وَأَبْقَىٰ } [ طه : 73 ] أي : بعد فناء الكل . وقد تحقق عندنا أيضاً { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ } القادر على الانتقام والإنعام { مُجْرِماً } مشركاً طاغياً { فَإِنَّ } أي : حقَّ وثبتَ { لَهُ جَهَنَّمَ } التي هي دار البعد والخذلان أبداً { لاَ يَمُوتُ فِيهَا } حتى يستريح { وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] أيضاً حياةً يستفيد بها . وثانياً إنه { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } موقناً بذاته وصفاته وأفعاله ، ومع ذلك { قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ } بمقتضى أوامره { فَأُوْلَـٰئِكَ } المؤمنون الصالحون { لَهُمُ } لا لغيرهم من الصالحين { ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } [ طه : 75 ] القريبة إلى الدرجة العليا التي انتهت إليها جميع الدرجات ، وهي { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي : أنهار المعارف والحقائق لأولي البصائر والأبصار الناظرين بعيون الاعتبار المستغرقين بمطالعة جمال الله بلا مزاحمة الأغيار { خَالِدِينَ فِيهَا } بلا ملاحظة زمانٍ ومقدارٍ { وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } [ طه : 76 ] من ذمائم الأخلاق ورذائل الأطوار .