Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 88-98)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما قذف الكل حليهم فيها ، أدخل السامري يده فيها { فَأَخْرَجَ لَهُمْ } منها { عِجْلاً } أي : صورة عجل أوجده الله تعالى من تلك الحلي المقذوفة ، ولم يكن من ذوي الحس والحركة بل { جَسَداً } وهيكلاً { لَّهُ خُوَارٌ } بصوّت صوتَ البقرة { فَقَالُواْ } السامري أصالة والباقي تعباً : { هَـٰذَآ } الجسد الذي خار خورة { إِلَـٰهُكُمْ } الذين أوجدكم من العدم { وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } المتردد في بيدان طلبه ، أنزله في هذه الحفرة من قبل { فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] منزلة وسعى في طلبه سعياً بليغاً ، فرقى الطور لهذا الطلب . { أَ } هم خرجوا عن طور العقل في اعتقاد إلهية الجماد ، بل عن الحس أيضاً { فَلاَ يَرَوْنَ } ولا يتفكرون في شأن هذا الجماد { أَلاَّ يَرْجِعُ } أي : أنه لا يرد { إِلَيْهِمْ قَوْلاً } جواباً عن سؤالهم { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً } لو لم يؤمنوا به { وَلاَ نَفْعاً } [ طه : 89 ] لو آمنوا به . { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } أي : قبل رجوع موسى إليهم نيابة عنه إصلاحاً لحالهم ، بعدما أفسدوا على أنفسهم ما أمرهم موسى من الأصلاح بحالهم : { يٰقَوْمِ } المائلين عن طريق الحق بسبب هذه الصورة { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } أي : ما هذا إلا ابتلاءُ لهم من ربكم ؛ ليختبر سبحانه رسوخكم وتمكنكم على التوحيد ، أعرِضوا عن الشرك بالهل وتوجهوا إليه { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } لكم بإرسال أخي إليكم رسولاً وإنجائكم من عدوكم ، وأنا نائب عن أخي استخلفني عليكم { فَٱتَّبِعُونِي } لتتبعوا الحق ، ولا تميلوا إلى الباطل { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } [ طه : 90 ] واقبلا قولي وإرشادي لكم حتى يصلح حالكم . { قَالُواْ } لأنك وإن كنت نائباً عن أخيك ، لكن لا تعرف الرب ولا تكلمتَ معه ، بل يعرفه ويتكلم معه مومسى { لَن نَّبْرَحَ } ونزال { عَلَيْهِ } أي : على الجسد { عَاكِفِينَ } مقيمين حوله متوجهين له متضرعين عنده { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } [ طه : 91 ] . ثم لما رجع موسى من مقياته ومناجاته مع ربه إلى قومه ، ووجد9م ضالين منحرفين عن مسلك السداد ، صار غضباناً عليهم أسفاً بضلالهم . { قَالَ } من شدة غيظه لأخيه منادياً باسمه على سبيل الاستحقار مع أنه أكبر منه { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ } أي : أي : شيء منعك عن القتال معهم وقت { إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } [ طه : 92 ] عن طريق الحق وتوحيده ، بعبادة العجل . وما لحقك { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } في مقاتلة المشركين بعدما أوصيتك به مراراً ، وقد أقمتك فيهم لإصلاح حالهم { أَ } كفرت وضللت أنتَ أيضاً { فَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 93 ] فأخذ من كمال غيظه وغضبه بشرع أخيه ولحيته يجره . { قَالَ } له حينئذ هارون قولاً يحرك مقتضى الأخوة ، وينبه على قبول العذر : { يَبْنَؤُمَّ } نسبه إلى الأم استعطافاً : احذر عن الغضب وتوجه إليَّ واسمع عذري { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } ما لم تسمع عذري ، لم أترك قتالهم { إِنِّي } وإن كنت لا أقدر على قتالهم لكثرتهم { خَشِيتُ } مع ذلك إن قاتلت معهم { أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } أي : جعلتهم فرقاً متخالفة متقابلة { وَلَمْ تَرْقُبْ } ولم تحفظ { قَوْلِي } [ طه : 94 ] لك : اخلفني في قومي ، وأصلح بينهم حتى أرجع . فلما سمع موسى عذره ، ندم على فعله ، فرجع إلى معاتبة من يضلهم و { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ } أي : أي شيء هو أعظم مقصودك من هذه التفرقة والإضلال { يٰسَامِرِيُّ } [ طه : 95 ] المضل . { قَالَ } مقصودي الرئاسة عليهم بشيء يميزني عنهم من الخوارق ؛ إذ { بَصُرْتُ بِمَا } أي : بشيء { لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أصلاً ، وذلك أني رأيت جبريل راكباً على فرس الحياة ، ما وضع قدمه على شيء إلا حيي { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } أي : من تراب وطئها حافر فرس الرسول الذي هو جبريل ، وكنت أحفظها إلى أن أذابوا حليهم { فَنَبَذْتُهَا } فيه ، فسرى الحياة منها إلى الصورة المتخذة من الحلي فخار ، فأمرتهم باتخاذها إلهاً { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ } وزينت { لِي نَفْسِي } [ طه : 96 ] حتى أكون متبوعاً لهم ، ومقتدى بينهم . { قَالَ } له موسى : { فَٱذْهَبْ } من عندي وتنح عن مرآي { فَإِنَّ لَكَ } أي : حقَّ وثبت لك { فِي ٱلْحَيَاةِ } أي : في حين حياتك { أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } لك ولا إدراك ، يعني : أنك في حال حياتك من مرة الأموات الفاقدين للحواس والإدراك وجميع المشاعر ، لاعتقادك بحياة هذا الجماد ، وأخذته إليهاً ، وأضللتَ بسبب هذا جمعاً عظيماً من الناس { وَإِنَّ لَكَ } أي : ثبتَ وتهيأ لك في الآخرة { مَوْعِداً } من الجحيم { لَّن تُخْلَفَهُ } أي : لن تنتقل عنه أصلاً ؛ إذ لا توبة لك منها حتى تتجاوز عنه ، فتعين كذلك فيه أبد الآبدين { وَ } إذا عرفتَ حالك في دنياك وأخراك { ٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ } وعلى عبادته { عَاكِفاً } مقيماً عازماً { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بالنار ، وإن كان إلهاً ، لم ترحقه النار ، ثم بعد الإحراق وبعد صيرورته رماداً { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } وننشرنه { فِي ٱلْيَمِّ } أي : في البحر { نَسْفاً } [ طه : 97 ] نشراً ؛ بحيث لم يبقَ من أجزائه في البر شيء . فأحرقها ونسفها وتوجه إلى بني إسرائيل ، فقال : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ } المستجمع جميع أوصاف الكمال هو { ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ } أي : لا موجود { إِلاَّ هُوَ } وما سواه عدمُ ، ولو تعقل فلا يخرج عن حضرة علمه شيء ؛ لأنه { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ } في الذهن والخارج { عِلْماً } [ طه : 98 ] .