Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 99-114)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَذٰلِكَ } أي : مثلما أوحينا إلى موسى لأهداء قومه وإهلاك عدوه ، وأوحينا إليكَ يا أكمل الرسل قصص السابقين ؛ ليعتبر من هلاك عدوهم من عاداك ، ويفرح من إهداء صديقهم مَن صدّقك وآمن بك ؛ إذ { نَقُصُّ عَلَيْكَ } قصصهم مع كونك خالي الذهن { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } بمدة مديدة { وَقَدْ آتَيْنَاكَ } امتناناً لك { مِن لَّدُنَّا } بلا واسطة معلم ومرشد { ذِكْراً } [ طه : 99 ] كلاماً جامعاً يذكرك جميع ما في الكتب السالفة من الحقائق والأحكام والقصص على الوجه الأثم الأبلغ . { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي : عن القرآن بعد نزوله ، وتشبث بغيره من الكتب المنسوخة { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } [ طه : 100 ] أي : إثماً ثقيلاً لأخذه بالمنسوخ وترك الناسخ . بحيث يكون { خَالِدِينَ فِيهِ } فيها ؛ أي : فيما يترتب عليه في ويم الجزاء من العذاب الأيدي { وَسَآءَ لَهُمْ } أي : لحامليهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المخففة للحمل لأرباب العناية { حِمْلاً } [ طه : 101 ] ثقيلاً بوقعهم إلى النار . { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } لأخراج ما بالقوة إلى الفعل { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [ طه : 102 ] زرق العيون سود الوجوه ، وهما كنايتان عن الحسد والنفاق اللذَين هم عليهما في دار الدنيا . وإذا ظهر لهم قبائحهم الكامنة فيهم في الدنيا { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } أي : يتكلمون خيفة فيما بينهم هكذا ، هذه القبائح التي ظهرت علينا من أوصافنا التي كنا عليها في دار الدنيا زماناً قليلاً ، فبعضهم يقول للبعض : { إِن لَّبِثْتُمْ } أي : ما مكثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } [ طه : 103 ] من الليالي ، وبعضهم يقلل من ذلك ، وبعضهم يقلل منه أيضاً ، وهم يخفون أحوالهم لئلا يطلع عليها أحد . وكيف يخفون عنا ؛ إذ { نَّحْنُ أَعْلَمُ } بمقتضى حضرة علمنا { بِ } جميع { مَا يَقُولُونَ } من الأقوال المتعارضة ، ولا تذكر إلا ما هو أقرب للصواب { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي : أميلهم وأقربهم إلى الصواب { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [ طه : 104 ] واستصغارهم مدة الدنيا ، إنما هو من طول يوم الجزاء . { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِاً } في ذلك اليوم أهي على قرارها وقوامها حتى يؤوى إليها أملا لا ؟ { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْف } [ طه : 105 ] أي : يسحقها سحقاً كلياً كأنه خرج عن المناخل الدقيقة ، { فَيَذَرُهَا } أي : يترك الأرض بعد نسف الحبال { قَاعاً } سطحاً مستوياً { صَفْصَفاً } [ طه : 106 ] ملساء . بحيث : { لاَّ تَرَىٰ } أيها الرائي { فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 107 ] نتواً وربوةً لاستوائه . { يَوْمَئِذٍ } أي : وقت نفخ الصور لاجتماع الناس إلى المحشر { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } الذي هو إسرافيل ؛ أي : يجتمعون عنده كل واحد منهم بطريق { لاَ عِوَجَ لَهُ } لاستواء الأرض ، وعدم المانع من العقباب والأغوار { وَ } في ذلك اليوم { خَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } أي : خفضت وخفيت أصواتهم وقت الدعاء { لِلرَّحْمَـٰنِ } من شدة أهوال ذلك اليوم ؛ بحيث إذا أصغيت إلى سماع أقوالهم { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] ذِكراً خفياً . { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } أي : شفاعة كل أحد من الناجين كل واحد من العاصين { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } بالشفاعة لبعض العصاة من أرباب العناية في ذلك اليوم { وَ } مع إذنه سبحانه له { رَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [ طه : 109 ] أي : تعلق رضاه سبحانه الشفعي وقت الشفاعة . وإنما أذن ورضي سبحانه بالشفاعة للبعض ؛ لأنه سبحانه { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي : يحيط علمه بجميع أحوالهم من العصيان الطاعة ، وبأن أي : عصيان يزول بالشفاعة ، وأي : عاصٍ يستحقها { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] بدقائق معلومات وأفعاله وآثاره . { وَ } في ذلك اليوم { عَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } أي : هلكت وجوه الأشياء ؛ أي : ظهورها وبقي الوجه الذي هو { لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } المنزه عن الظهور والبطون ، المقدس عن الحركة والسكون { وَقَدْ خَابَ } وخسر خسراناً مبيناً في ذلك اليوم { مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [ طه : 111 ] شركاً بالله الواحد القهار . { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } في الدنيا { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } موقن بوحدانية الله { فَلاَ يَخَافُ } في ذلك اليوم { ظُلْماً } بأن يحبط أعماله الصالحة بالكلية ، ولم يجز بها { وَلاَ هَضْماً } [ طه : 112 ] بأن ينقص من جزاء عمله الصالح . { وَكَذٰلِكَ } أي : مثل إحاطة علمنا بجميع الأشياء { أَنزَلْنَاهُ } أي : هذا الكتاب المحيط بجميع ما في العالم ؛ إذ لا رطب ولا يابس إلا فيه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي : كلاماً عربيَّ الأسلوب { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } أي : كثر تصرفنا فيه من الإنذارات والتخويفات { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } رجاء أن يتوجهوا إلى توحيدنا ويجتنبوا عن شركنا { أَوْ يُحْدِثُ } ويجدد وعيد القرآن { لَهُمْ ذِكْراً } [ طه : 113 ] من أحوال الماضين ، وعقاب الله عليهم من الغرق والمسخ والكسف والخسف لعلهم يتذكرون . وإن قالوا على سبيل المكابرة عتواً وعناداً : لربك حاجة إلى إيماننا وتقوانا ، وإلا لِمَ يرجوا إيماننا ؟ قل لهم يا أكمل الرسل : { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ } أي : تنزه وتقدس { ٱلْمَلِكُ } المستولي المطلق { ٱلْحَقُّ } الثابت الدائم أزلاً وأبداً عما يقول الظالمون المشركون من إثبات الاحتياج له بمجرد الرخاء العائد نفعه إياهم أيضاً . { وَ } إذا كان ظنهم هذا { لاَ تَعْجَلْ } يا أكمل الرسل { بِٱلْقُرْءانِ } أي : بأدائه وتبليغه لهم وقراءته عليهم { مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي : من قبل أن يفرغ جبرائيل عليه السلام من وحيه وتبليغه ، بل أصبر حتى يفرغ من الوحي ، ثم تأمل في مرمزاته وإشاراته الخفية بدقر استعدادك { وَ } بعد التأمل والتدبر { قُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] بما فيه من نفائس المعلومات وعجائب المعارف والحقائق .