Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 106-112)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ فِي هَـٰذَا } أي : ما ذكر في القرآن من المواعظ والتذكيرات والرموز والإشارات { لَبَلاَغاً } وتبليغاً بليغاً إلى أقصى مراتب التوحيد { لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 106 ] عارفين بمسالك اليقين وأماراته . { وَ } كما كان هذا الكتاب هداياً لجميع البرايا إلى أعلى معارج التوحيد لذلك { مَآ أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل المستخلف منا ، المتخلق بأخلاقنا ، المظهر لتوحيدنا الذاتي { إِلاَّ رَحْمَةً } أي : ذا رحمة شاملة وعطف عام { لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] إذ بعثة بعدك ، ولا دين بعد دينك ، بل أنت مكمل دائرة النبوة والرسالة ، ودينك ناسخ جميع الأديان ، فلا بدَّ لجميع أهل الملل والنحل أن يتدينوا بدينك كي يصلوا إلى ما جبهلم الحق لأجله ، وهو التوحيد والعرفان . وبعدما صرت خاتم النبوة والرسالة وصار دينك ناسخاً لجميع الأديان { قُلْ } لقاطبة الأنام على سبيل الدعوة العامة والتبليغ التام : { إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ } من ربي ما جعلني مبعوثاً إلى عموم عباده { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ } أيها الواصلون إلى مرتبة التكليف { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أحدُ صمد لا يقبل التعدد ، ولا يعرضه نقصان ، ولا يشغله شأن عن شأن ، بل { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] { فَهَلْ أَنتُمْ } أيها العابدون { مُّسْلِمُونَ } [ الأنبياء : 108 ] منقادون له ، مسلّمون توحيده ، مخلصون في إطاعته وانقياده . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } وأعرضوا عن التوحيد بعد تبليغك إياهم قصارى أمرهم في دينهم { فَقُلْ } لهم يا أكمل الرسل : { ءَاذَنتُكُمْ } وأعلمتكم بإذن الله وأهديكم بمقتضى وحيه { عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : على طريق سوي ، وصراط مستقيم موصل إلى توحيد الحق ومعرفته ، وإن انحرفتم عن جادة التوحيد وانصرفتم عن مسالكه ، استوجبتم المقت والعذاب ألبتة { وَإِنْ أَدْرِيۤ } أي : ما أدري وأعلم { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ } نزول { مَّا تُوعَدُونَ } [ الأنبياء : 109 ] من العذاب والنكال . وبعدما تحقق نزوله وتقرر وقوعه بإخبار الله من لا تغتروا بإمهاله إياكم عن غفلته عنكم تعالى عن ذلك ، كيف يعرض له سبحانه الغفلة والذهول ؟ { إِنَّهُ } بعلمه الحضوري { يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ } منكم { مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ } أيضاً منكم { مَا تَكْتُمُونَ } [ الأنبياء : 110 ] وتخفون في نفوسكم من خواطركم . { وَإِنْ أَدْرِي } أي : وما أعلم أيضاً { لَعَلَّهُ } أي : لعل إمهاله إياكم وتأخيره العذاب عنكم { فِتْنَةٌ } واختبار { لَّكُمْ } هل تتفطنون إلى توحيده أو لا ؟ بعد ورود أنواع المنبهات عليه ، والروادع ، والزواجر البليغة عما ينافيه ويخالفه { وَ } ما أدري أيضاً لعل إمهاله لكم { مَتَاعٌ } وتمتيع لكم { إِلَىٰ حِينٍ } [ الأنبياء : 111 ] لتزدادوا فيه إثماً ومعصية كثيرة تستجلبوا بها أعظم العقوبات وتستحقوا أشد العذاب . ثم لما تمادى النزاع بين أهل مكة ورسوله الله صلى الله عليه وسلم وتكثرت الوقائع والحادثات ، أمر سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم بالاستعانة منه سبحانه والتفويض إليه بقوله : { قَالَ } يا أكمل الرسل بعدما أصروا على إنكارك ملتجئاً إلينا مناجياً : { رَبِّ } يا من ربَّاني بكرامة الرسالة والتبليغ والإرشاد والتشريع { ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } الصريح الصحيح عنك بيني وبين هؤلاء المعاندين ، وأنت تعلم أنهم لا ينزجرون لا بنزول العذاب الموعود عليهم ، أنزل بمقتضى قهرك عليهم ما ينزجرون به من العذاب { وَرَبُّنَا } وإن كان هو { ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذي وسعت رحمته كل شيء حتى الكافر الشقي النافي له ، لكنه { ٱلْمُسْتَعَانُ } والمعين المنان والناصر الديَّا لأهل المعرفة والإيمان { عَلَىٰ } إزالة { مَا تَصِفُونَ } [ الأنبياء : 112 ] اللهَ به مما لا يليق بشأنه وجنابه . وبالجملة أولئك المشركون هم الهالكون في تيه الجحود والطغيان ، المنهمكون في بحر الغفلة والضلال والكفران . خاتمة السورة عليك أيها الطالب القاصد لاقتصاد الأحوال واعتدال الأقوال والأفعال أن تستعين بالله ما صدر عنك ، وجرى عليك ، و تسنده إلى الله سبحانه بلا رؤية الوسائل والبين ، وتتخذه وكيلاً على مقتضى أمره سبحانه { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [ المزمل : 9 ] وتفوض جميع أمورك في جميع شؤونك وأطوارك إليه سبحانه ؛ إذ هي له أصالة ، وإن صدر عنك صورة ؛ إذ لا وجود لك في ذاتك ، فيكف ما يترتب عليه من الأفعال والآثار المرتبة عليه ، فلك أن تميت نفسك عما حداك إليه أمّارة نفسك وشيطان وهمك وخيالك ؛ إذ هو مضلك ومغويك يبعدك عما يعينك وينبغي لك ، ويغريك إلى ما لا يعينك ويرديك . فلك أن تميز بين تسويلات الهوى ، وأماني النفس المائلة عن المولى وبين آيات الهدى وعلامات التقى الموصلة إلى الدرجة العليا والفوز بشرف اللقيا . وإن شئت أن تخلص نفسك من جنود الهوى وعساكر الغفلات من الأوهام والخيالات فاعتزل عن أظهر الناس ، وأعرض عن ملئهم ، واحذر عن مخالطتهم ومصاحبتهم ، واتخذ لنفسك خلوة تنجيك عن جميع ما يغويك ويؤذيك ؛ إذ المرء إنما يذوق حلاوة الوحدة ولذة التوحيد في العزلة والفرار عن الخلطة ، سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه النفاق ، وكثر الخلاف والشقاق . ربنا هب لنا من لدنك جذبة عن لذات الدنيا ومشتهياتها ، وأنساً بك تخلصنا عن مؤانسة غيرك ، إنك على ما تشاء قدير ، وبإنجاح آمال المؤملين جدير .