Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 101-105)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزل بعده : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ } عنايةٌ { مِّنَّا } الخصلة { ٱلْحُسْنَىٰ } والمنزلة الأسنى والدرجة العليا ، والجنة المأوى { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المخصوصون بمزيد لطفنا وجودنا { عَنْهَا } أي : عن النار { مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] لسبق رحمتنا إياهم وعفونا عنهم . بحيث : { لاَ يَسْمَعُونَ } من غاية البعد منها { حَسِيسَهَا } أي : صوتها على وجه الخفاء كدويّ النحل ، مع أن أهلها يُصرخون فيها ، ويَفزعون في غاية الشدة ، ولا تصل لغاية بعدهم عنها { وَ } كيف يسمعون حسيس النار { هُمْ } متنعمون مترفهون { فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ } من اللذات الروحانية ، والمشتهيات النفسانية عنايةً من الله إياهم { خَالِدُونَ } [ الأنبياء : 102 ] دائمون مستمرون بلا طريان ضدٍ وعروض منافر . وكيف يسمعون ويحزنون أولئك الآمنون من حسيس النار مع أنهم من فرط فرحهم وسرورهم { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } وهو النخفة الأخيرة في الصور ، مع أنها في نهاية الهول والفظاعة ، وإذا لم يشوشهم تلك الهائلة فكيف بالحسيس { وَ } بعد دخولهم في الجنة الموعودة { تَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } مرحبين مهنئين قائلين : { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ الأنبياء : 103 ] في نشأتكم الأولى أيها المؤمنون الآمنون ، وأنتم فيها تؤمنون بها ، فالآن نلِتم بما آمنتم ، وفزتهم بما أملتم . اذكر يا أكمل الرسل : { يَوْمَ نَطْوِي } ونلف { ٱلسَّمَآءَ } المبسوطة المنشورة { كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي : طياً مثل طي الصحيفة الحافظة الحارسة للمكتوب فيها ؛ يعني : نلفها لفاً بعد نشرها بحيث لا يبقى لها اسم ولا رسم ، إذ طي الصحيفة كنايةُ عن نيسان الشيء وإعدامها وعدم التذكر ، وبالجملة { كَمَا بَدَأْنَآ } وأبدعنا { أَوَّلَ خَلْقٍ } وإيجاد من العدم بلا سبق مادة ومدة { نُّعِيدُهُ } عليه كذلك ، بحيث صار كأن لم يكن موجوداً أصلاً ، وكان إعدامه { وَعْداً } منَّا لازماً { عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 104 ] الموعود المعهود ألبتة إنجازاً لوعدنا . { وَ } كيف نفنيه ولا نعدمه { لَقَدْ كَتَبْنَا } وأثبتنا { فِي ٱلزَّبُورِ } وفي جميع الكتب المنزلة منَّا { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } أي : بعد الحضور والثبوت في حضرة علمنا ولوح قضائنا : { أَنَّ ٱلأَرْضَ } أي : أرض الجنة المعدَّة لأهل الولاء والمحبة ، ومستقر أرباب العناية ؛ إذ لكل نفس من النفوس البشرية أرضُ معدة من فضاء الجنة ، وإنما وصلوا إليها بالإيمان والأعمال الصالحة المقربة إلى الحق ، فمتى لم يتصفوا بالإيمان والمعارف والتوحيد لم يصلوا إليها ؛ وإذا لم يصلوا إليها بكفرهم وعنادهم وظلمهم { يَرِثُهَا } من الكفار أماكنهم المعدة لهم فيها { عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] المقبولون عندنا ، المتصفون بشعائر التوحيد والإيمان ، والعارفون بمعالم الدين ومسالك العرفان ، المرضيون الراضون بجميع ما جرى عليهم من قضائنا .