Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 1-6)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱقْتَرَبَ } أي : دنا وقرب { لِلنَّاسِ } الناسين عهود ربهم التي عهدوا بها معه سبحانه وقت ظهور فطرتهم الأصلية من حَمْلِ أمانة المعارف ، والحقائق وقبول أعباء الإيمان ، والتوحيد ، ومشاق الأعمال ، والتكاليف المقربة لهم إليه { حِسَابُهُمْ } أي : قَرْبَ وقت حسابهم ، وانتقاد أفعالهم وأعمالهم الصالحة المقبولة عند ربهم من الفاسدة المردودة دونه { وَهُمْ } مغمورون مستغرقون { فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 1 ] عن ربهم ، وعن حسابه أياهم ، بل أكثرهم معرضون عنه بحيث لا يلتفتون نحوه أصلاً ، بل ينكرون وجوده فكيف حسابه وعذابه ؟ . لذلك { مَا يَأْتِيهِمْ } وينزل عليهم { مِّن ذِكْرٍ } وعظةٍ تنبههم عن سِنَةِ الغفلة ، وتوقظهم عن رقدة النسيان صادرُ { مِّن رَّبِّهِمْ } بوحيٍ { مُّحْدَثٍ } مجددٍ وحسب تجددات البواعث والدواعي الموجبة للإنزال على مقتضى الأزمان والأعصار { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ } أي : الذكر المحدَث { وَهُمْ } حينئذ من غاية عمههم وسكرتهم { يَلْعَبُونَ } [ الأنبياء : 2 ] به ويستهزئون مع من أنزل إليه . { لاَهِيَةً } معه ذاهلةً { قُلُوبُهُمْ } عن التأمل فيه ، والتفكر في معناه والتدرب في رموزه وإشاراته { وَ } هم وإن أغفلوا نفوسهم وقلوبهم عنه لفط عتوِّهم واستكبارهم ، لكن تفطنوا بحقيته من كمال إعجازه ومتانته ، لكونهم من أرباب البلاغة والفصاحة والذكاء والفطانة ، لكنهم { أَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى } أي : بالغوا في إخفاء ما يتناجوا به في نفوسهم من حقية القرآن وإعجازه ؛ إذ هم { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بارتكاب الكفر ، والمعاصي ، وأنواع الضلال عناداً ومكابرة ، وقصدوا أيضاً إضلال ضعفاء الأنام حيث قالوا لهم على سبيل الإنكار : { هَلْ هَـٰذَآ } أي : ما هذا الشخص الحقير الذي ادَّعى الرسالة والنبوة والوحي والإنزال من جانب السماء { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } وهو من بني نوعكم لا ميزة له عليكم ، والرسول المرسل من جانب السماء لا يكون إلا ملكاً { أَ } تميلون نحوه وتزعمونه صادقاً بواسطة خوارق صدرت عنه على سبيل السحر والشعبذة مدعياً أنه معجز مع أنه ليس كذلك { فَتَأْتُونَ } وتحضرون { ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [ الأنبياء : 3 ] آلاته وأدواته وتعلمون عياناً أنه سحرُ مفترىً ، هل تصدقونه أم لا ؟ وهذا تسجيلُ وتنصيصُ منهم على كذب الرسول ، وإغراءُ وتضليلُ على ضعفاء الأنام ، وحثُ لهم على تكذيبه وإنكاره ما أتى به . { قَالَ } يا أكمل الرسل في جوانبهم ، والرد عليهم : { رَبِّي } الذي ربَّاني بأنواع الكرامات والمعجزات { يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ } أي : جنس الأقوال والأفعال والأحوال الكائنة { فِي ٱلسَّمَآءِ } أي : عالم الأرواح { وَٱلأَرْضِ } أي : عالم الطبيعة والأشباح { وَ } كيف لا يعلم ويعزب عن علمه شيء ؛ إذ { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } المقصور على السمع بحيث لا يسمع سواه { ٱلْعَلِيمُ } [ الأنبياء : 4 ] المستقلُّ بالعلم لا عالم إلا هو . ثم أعرضوا وانصرفوا عن قولهم بسحرية القرآن ؛ لاشتمال على البلاغة والمتانة وأنواع الخواص ، والمزايا الممدوحة عندهم إلى ما هو الأدنى والأنزل منه ، { بَلْ قَالُوۤاْ } ما هو إلا { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } أي : من تخليطات القوة المتخيلة وتمويهاتها التي رآها في المنام ، ثم سطَّرها ، وسَمَّاه كلاماً نازلاً من السماء موحى إليه من عند الله { بَلِ ٱفْتَرَاهُ } واختلقه واخترعه من تلقاء نفسه ، ونَسَبه إلى الوحي ترويجاً له بلا رؤيته في المنام { بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } فصيحُ تكلم بكلام كاذبٍ مُخيَّلٍ نظمه على وجهٍ يعدب الأسماع ، وبالجملة ما هو نبيُ ولا كلامه الذي أتى به وحيُ نازلُ من الله كما ادعاه مثل كلام سائر الرسل ، وإلا { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ } مقترحةٍ أو غيرها تُلجئنا إلى تصديقه والإيمان به { كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } [ الأنبياء : 5 ] أي : مثلما أُرسل بها الأنبياء الماضون : كالعصا ، واليد ، البيضاء وإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، وغير ذلك من الآيات الواقعة من الرسل الما ضين . ثم لما تقاولوا بما تقاولوا ، واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً أن ينزل عليه مثلما أنزل على أولئك الرسل نزلت : { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ } رسلنا الذين جاءوا بالآيات المقترحة { مِّن قَرْيَةٍ } أي : أهلها من القرى التي أرسلوا إليهم لذلك { أَهْلَكْنَاهَآ } واستأصلناها ، ولو تأتي أنت أيضاً بمقترحاتهم ، لما آمنوا لك مثلما لم يؤمنوا لهم { أَ } تزعم يا أكمل الرسل أنهم لو أتيت لهم ما اقترحوا { فَهُمْ يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء : 6 ] بك ، كلا وحاشا ، إنهم من شدة شكيمتهم وغلظ حجابهم وقسوتهم لا يؤمنون بك أصلاً ، وغاية الأمر أنه لو أتيت إياهم بمقترحهم لهم يقبلوا منك ألبتة ، ولم يؤمنوا لك فاستحقوا الأهلاك والاستئصال حينئذٍ ، وقد مضى أمرْنا ونفذ حكمُنا على ألاَّ نستأصل قومَك في النشأة الاولى ، لذلك لم ننزل عليك ما اقترحوا منك .