Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 56-62)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إذ { ٱلْمُلْكُ } والتصرف { يَوْمَئِذٍ } أي : بعد انقضاء دار الابتلاء والاختبار { للَّهِ } المستقل بالألوهية والربوبية والتصرف مطلقاً ، وإن كان في النشأة الأولى أيضاً كذلك ، إلا أنه سبحانه أقدرهم على الإطاعة والانقياد ، كما أقدرهم على الإنكار والعناد لِحِكَم مصالح ؛ إذ هي دار الفتن والابتلاء والاختيار ، وبعد انقضائها لا يقبل منه جبرُ ما فوتوا على نفوسهم في تلك النشأة بل { يَحْكُمُ } سبحانه بحكمه المبرم { بَيْنَهُمْ } على مقتضى علم نهم ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله على جه الإخلاص والإخبات { وَ } مع ذلك { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المترتبة على الإيمان واليقينن هم في النشأة الأخرى { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ الحج : 56 ] دائمين يها مقيمين ، لا يتحولون إلى ما هوأدنى ، بل يترقونه إلى الأعلى حتى يفوزوا بشرف اللقاء . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله فيها { وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا } المنزلة على رسلنا لبيان توحيدنا { فَأُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المذبون المردودون { لَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ الحج : 57 ] لإهانتهم أنبياء الله ورسله ، وما نزل عليهم من الآيات . ثم قال سبحانه : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } وتركموا مضيق الإمكان ساكنين { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } طالبين فضاءً به الوجوب والفناء فيه { ثُمَّ قُتِلُوۤاْ } على يد الغفلة الجهلة عن توحيد الله واستقلاله في الوجود { أَوْ مَاتُواْ } بالموت الاضطراري حتف أنوفهم بعدما خرجوا عن مقتضيات الحياة الصورية بالموت الإرادي { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ } المنعم المفضل { رِزْقاً حَسَناً } حقيقاً من لدنه تفضيلاً عليهم وامتناناً ، وكيف لا يرزقهم مع أهم أولياؤه وهو رازق لأعدائه أيضاً ؟ { وَإِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي في الآفاق ، المتكفل لأرزاق من عليها وما عليها { لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ الحج : 58 ] ممن نسب إليهم مجازاً ، إذ مرجع الكل إليه ، ومبدؤه منه وتوفيقهم بيده ، وهم تحت ظله ، وفعلهم حقيقةً منسوب إليه . وبعدما رزقهم الله بالرزق المعنوي بدل ما جاهدوا في سبيله من تحمل المشاق والمتاعب في الانقطاع عن مألوفات بقعة الإمكان ومطبوعات نفوسهم وهوياتهم من اللذات والشهوات البهيمية . { لَيُدْخِلَنَّهُمْ } سبحانه بفضله وسعة جوده { مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } أي : مسكناً ومقاماً يرضون منه نفوسهم بدل ما يتركون من البقاع والديار والقصور المشيدة المرتفعة ألا وهي المكاشفات والمشاهدات الواردة عليهم من الاطلاع على سرائر الأسماء والصفات الإلهية ، والواردات الغيبية من عالم اللاهوت { وَإِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لأمور عباده { لَعَلِيمٌ } بمصالحهم وما يستدعي استعداداتهم { حَلِيمٌ } [ الحج : 59 ] يفعل معهم ما يرضى به استعداداتهم ويسع له قابلياتهم . { ذٰلِكَ } أي : الأمر والشأن ذلك المذكور لمن هاجر إلى الله طالباً لقياه ، خالصاً لوجهه الكريم { وَمَنْ عَاقَبَ } ظالمه يوماً غلب عليه ، وأراد أن ينتقم عنه { بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي : بمقدار ظلمه بلا زيادة عليه ولا نقصان { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أي : غلب الظالم على المظلوم المنتقم كرة أخرى ، وأراد أن يظلم عليه ثانياً { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } العزيز المنتقم في الكرّة الثانية أيضاً ما لم يتجاوز عن حد الانتقام ، ولا ينظر سبحانه إلى اجترائه إلى الانتقام ، ويتركه ما هو الأولى وهو العفو عند القدرة ، وكظم الغيظ لدى الفرصة { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لمقتضيات استعداد عباده { لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } [ الحج : 60 ] لما صدر عنهم من المبادرة إلى الانتقام لدى القدرة . { ذٰلِكَ } النصر على من ظُلم { بِأَنَّ ٱللَّهَ } أي : بسبب أن الله المستوي على القسط القويم { يُولِجُ } ويدخل { ٱللَّيْلَ } المظلم { فِي ٱلنَّهَارِ } المضيء { وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ } المضيء { فِي ٱللَّيْلِ } المظلم على التدريج ليعتدلا ويعتدل من ظهر وما ظهر كرهما وتجددهما { وَأَنَّ ٱللَّهَ } المدبر لمصالح مظاهره بالحكمة المتقنة { سَمِيعٌ } سمع ما هو من قبيل المسموعات من الوقائع التي أدركها السمع { بَصِيرٌ } [ الحج : 61 ] يبصر ما هو من قبيل املبصرات من الحوادث المدركة بالبصر . { ذٰلِكَ } أي : سمعه للمسموعات وإبصاره للمبصرات { بِأَنَّ ٱللَّهَ } المتجلي في الآفاق { هُوَ ٱلْحَقُّ } المقصور على التحقق والثبوت بالاستحقاق الواجب وجوده بلا ارتياب الممتنع نظيره على الإطلاق { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ } أيها المشركون { مِن دُونِهِ } من الآلهة الباطلة { هُوَ ٱلْبَاطِلُ } المصور على العدم والبطلان ، لا وجود لهم فيكف ألوهيتهم ، والإله لا بدَّ وأن يكون واجب الوجود ، ثم ما يترتب عليه من الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية فهم معزولون عن الوجود ، ثم ما يترتب عليه من الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية فهم معزولون عن الوجود ، فكيف عن لوازمها { وَ } اعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء ، المتعزز بالمجد والبهاء ، المتوحد بالقيومية والبقاء الأبدي { هُوَ ٱلْعَلِيُّ } بذاته المتعالي على أن يصفه ألسنة العقلاء ، ويعرب عنه أفهام العرفاء { ٱلْكَبِيرُ } [ الحج : 62 ] المتكبر في شأنه جل جلاله عن أن يحيط به وبأوصافه وأسمائه شيء من مظاهره ومصنوعاته .