Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 8-13)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ومِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الكفر والنسيان { مَن يُجَادِلُ } ويكابر { فِي } أوامر { ٱللَّهِ } وينكر مقدراته الماضية والآتية مع أنه { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : دليل عقلي مسبوق بترتيب المعلومات اليقينية أو الظنية { وَلاَ هُدًى } أي : حدس ، وكشف ملهم من عند الله ملقى في روعة { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } [ الحج : 8 ] دليل نقلي منسوب إلى الوحي ، والإلهام بنور قلب من صدّق به ، وأخذ بما فيه إيماناً واحتساباً ، ومع أنه ليس له سند عقلي ولا نقلي ولا كشفي وشهودي ، مُعِرِضٌ عن الدلائل والشواهد مع وضوحها وظهورها صارفاً عنان عزمه عن التأمل فيها . { ثَانِيَ عِطْفِهِ } يعني : لاوياً عنقه ومولياً جنبه عنها كبيراً وخيلاء على أصحاب الدلائل والبراهين وأرباب الكشف والشهود عتواً وعناداً ، إنما فعل ما فعل من عدم الالتفات والتوجه نحو أهل الحق { لِيُضِلَّ } بفعله هذا ضعفاء الأنام { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي بيّنه الأنبياء وأوضحه الرسل بوحيه وإلهامه إليهم ، وإنزال الكتب ، والصحف عليهم { لَهُ } أي : لهذا المستكبر العاتي بسبب ضلاله وإضلاله { فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } هوان وهون وطرد ولعن ونهب وأسر { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } بعد انقراض النشأة الأولى { عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الحج : 9 ] المحرق الذي هو عذاب النار الذي لا عذاب أشد منها . وحين تعذيب الموكلين عليه إياه بالنار ، أمرناهم أن يقولوا له على سبيل المثال التقريع والتوبيخ زجراً عليه : { ذٰلِكَ } الذي لحقك وينزل عليك من العذاب المخلد { بِمَا قَدَّمَتْ } وكسبت { يَدَاكَ } في النشاة الأولى ، وعلى مقدار ما اقترفته من المعاصي والآثام بلا زيادة عليها عدلاً منَّا { وَ } اعلم أيها المسرف المبالغ في اقتراف الجرائم المستوجبة للعذاب { أَنَّ ٱللَّهَ } المتصف بالعدل القويم { لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] يعني : ليس بمبالغٍ في جزاء الانتقام عنه مقدار الجرائم والآثام مثل مبالغته في جزاء الإنعام والإحسان تفضلاً وامتناناً . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على نسيان المنعم ، وكفران نعمه { مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ } المنزه المستغنٍ عن إيمانه وعبادته { عَلَىٰ حَرْفٍ } أي : شاكاً منتظراً على طرف بلا جزم منه فيه ، وطمأنينة كالذي يتمكن يوم الوغى على طرف الجيش متردداً منتظراً ، إن أحس الظفر قرَّ في مكانه وتمكن ، وإلا فرَّ ، كذلك هذا المؤمن المتزلزل { فَإِنْ أَصَابَهُ } بعدما آمن وأسلم { خَيْرٌ } أي : شيء سُرُّه وينشطه { ٱطْمَأَنَّ بِهِ } وتمكن لأجله متفائلاً بالإيمان والإسلام { وَإِنْ أَصَابَتْهُ } بعد اختياره الإيمانَ والإسلام { فِتْنَةٌ } أي : بليةُ ومصيبةُ تُمِلْه { ٱنْقَلَبَ } ورجع { عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي : وجْهته وجِهَته التي تركها من الكفر متطيراً متشائماً بالإيمان والإسلام وبالجملة { خَسِرَ } ذلك المتزلزل المتذبذب { ٱلدُّنْيَا } بأنواع البليات والمصيبات { وَٱلأَخِرَةَ } بالحرمان عن درجات الجنان والخلود في دركات النيران بأنواع الخسران { ذٰلِكَ } الخسران المستوعب للنشأتين { هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الحج : 11 ] العظيم ، لا خسران أعظم منه وأفحش ، وكيف لا يخسر ذلك المردود المطرود . { يَدْعُواْ } ويعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ } المتصف بجميع أوصاف الكمال المستحق للعبادة والإطاعة استحقاقاً ذاتياً ووصفياً { مَا لاَ يَضُرُّهُ } أي : شيئاً ، إن عصاه ولم يؤمن به لا يتأتى منه الضرب والانتقام { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } أي : إن أطاعه وعبده حق عبادته ، لا يتأتى منه أن يثيبه ويغفر له ويحسن إليه { ذٰلِكَ } أي : الإطاعة والانقياد لشيء لا يرجى منه النفع والضر { هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [ الحج : 12 ] عن الهداية والتوحيد بمراحل خارجة عن الحصر والتعديد . بل { يَدْعُو } ذلك الضال الغوي { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ } بسبب اتخاذه شريكاً معه في استحقاق العبادة جهلاً وعناداً ، مع أنه الواحد الأحد الصمد المستقل بالألوهية والربوبية ، ودخولُ المشرك في النار محقق ، مقطوعُ به ، فيكون ضره أقرب { مِن نَّفْعِهِ } الذي توهمه أن يشفع لأجله عند الله ، والشفاعةُ عنده إنما هي بإذنه سبحانه أيضاً فثبت ألاَّ نفع له ، واللهِ { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } المعين الناصر الشفيع الأصنام والأوثان الخسيسة { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } [ الحج : 13 ] أي : الكفار الذين يعبدونهم ويوالونهم ويتخذونهم أرباباً يطمعون منهم الشفاعة عند الله ، من أن ترك المحقق المجزوم ، وأخذ المعدوم الموهوم ما هو إلا كفر باطل وزيغ عاطل زائل . ربنا اهدنا بفضلك إلى سواء السبيل .