Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 14-18)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعيد بالوعد : { إِنَّ ٱللَّهَ } الهادي لعباده إلى دار السلام { يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : سيقوا بالإيمان بالله ، وتصدق رسله وكتبه { وَ } مع ذلك { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } التي أمرهم سبحانه في كتبه وأجراهم على ألسنة رسله بالإتيان والامتثال بها ، واجتبوا عن النوهي التي نهاهم سبحانه عنها { جَنَاتٍ } متنزهات من العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي : المعارف والحقائق الجزئية المتجددة بتجددات الأمثال ، وهي الرموز والإرشادات التي يتفطن بها العارف من ظواهر المظاهر المرتبطة بالشؤون والتجليات الإلهية وبالجملة { إِنَّ ٱللَّهَ } الموفق لخواص عباده { يَفْعَلُ } معهم { مَا يُرِيدُ } [ الحج : 14 ] من الصلاح والفوز بالنجاح ، والتحقق بمقام الرضا وشرف اللقاء . ثم لما اعتقد المشركون من في قلبه عداوة راسخة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشيكمةُ شديدة ، وغيظُ مفرط ألاَّ نصرَ ولا إعانة له من عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة كما زعمه ردَّ الله عليهم نصراً له وترويجاً لقوله ، فقال : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } ولن يعين رسوله صلى الله عليه وسلم لا { فِي ٱلدُّنْيَا } ولا في { وَٱلآخِرَةِ } بل ما ادعاه من نصر الله إياه في الدنيا والآخرة ، إنما هو لإثبات دعوه وترويج مدعاه ، وإلا فلا نصر له ولا ناصر ، يقال للمنكر : إن شئت إزالة غيظك وحسدك عنه صلى الله عليه وسلم { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي : بحبل { إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي : نحوها وارتفع معلقاً بالحبل إلى أن يتباعد من الأرض مسافة بعيدة { ثُمَّ } يقال له بعدما ارتفع من الأرض : { لْيَقْطَعْ } الحبل وانفصل عنه ، فقطع فوقع { فَلْيَنْظُرْ } بعدما وقع { هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } مكره وحيلته { مَا يَغِيظُ } [ الحج : 15 ] أي : غيظه برسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم . وباجملة ما يزول إنكار المنكرين ، وغيظ المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الحيلة والكيد . { وَكَذٰلِكَ } أي : مثلما نصرناه صلى الله عليه وسلم في وقائع كثيرة { أَنزَلْنَاهُ } أيضاً لتأييده ونصره { آيَاتٍ } أي : دلائل { بَيِّنَاتٍ } واضحات دالة على صدقة في دعواه النبوة والرسالة والتشريع العام والإرشاد التام { وَ } أنزلناه أيضاً على سبيل العظة والتعليم { أَنَّ ٱللَّهَ } الهادي للعباد ، الموفق لهم إلى سبيل الرشاد { يَهْدِي } بعدما بينتَ لهم طريق الهداية والسداد بوحي الله إياك يا أكمل الرسل { مَن يُرِيدُ } [ الحج : 16 ] ويتعلق إرادته ومشئته سبحانه لهدايته ورشاده ، ومن يتعلق بضلاله أضله . وبالجملة ما عليك إلا البلاغ ، وعلى الله الهداية والرشاد ، فلا تتعب نفسك في هداية من أحببت ، { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] بل أمر الهداية والضلال إنما هو مفوض إلى الكبير المتعال . لذلك قال سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم الهادي للناس إلى توحيد الذات ، والصفات ، والأفعال جميعاً { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } وهم الذين آمنوا بموسى عليه السلام الهادي لأمته إلى توحيد الصفات { وَٱلصَّابِئِينَ } الذين يدَّعون الاطلاع على سرائر الكواكب والأجرام العلوية { وَٱلنَّصَارَىٰ } وهم الذين يصدقون بعيسى عليه السلام الهادي لأمته إلى توحيد الأفعال { وَٱلْمَجُوسَ } الذين يدَّعون التمييز بين فاعل الخير وفاعل الشر { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } بالله المنزه عن الشريك ، كلُ من هؤلاء المذكورين يدعي الحقية لنفسه ، والباطل لغيره { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لسرائرهم وضمائرهم { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } أي : بين من هو المحق منهم والمبطل { يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } وكيف لا يميز ويفصل سبحانه { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي في الآفاق والأنفس { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ الحج : 17 ] أي : حاضرُ مع كل شيء رقيب عليه ، غير مغيب عنه أصلاً . { أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي ولم تعلم { أَنَّ ٱللَّهَ } المظهر لجميع المظاهر { يَسْجُدُ } أي : يذلل ويخضع { لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من العلويات { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } من السفليات وخصوصاً معظمات الأجرام العلوية وهي { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ } ومعظمات الأجسام من السلفيات { وَ } هي { ٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَ } يسجد له أيضاً طوعاً { كَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على فطرة التوحيد ، المخلوقين على استعداد الإيمان ، وقابلية المعرفة والإيقان { وَكَثِيرٌ } منهم لانحرافهم عن الفطرة الأصلية بتقليد آبائهم ومعلميهم الذين يضلونهم عن سواء السبيل لذلك { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } وثبت له العقاب في لوح القضاء وحضرة العلم { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ } وأسقط رتبته وحط درجته { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } معلٍّ رافع { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده وقابلياتهم { يَفْعَلُ } معهم { مَا يَشَآءُ } [ الحج : 18 ] على مقتضى علمه وخبرته . ثم لما تطاول نزاع اليهود مع المؤمنين وتمادى جدالهم وخصومتهم حيث قال اليهود : نحن أحق بالله منكم لتقدم ديننا ، وشرف نبينا ، وفضل كتابنا ، وقال المؤمنون : نحن أحق منكم ؛ لأن ديننا ناسخ جميع الأديان ، ونبينا خاتم دائرة النبوة والرسالة ، ومتمم مكارم الأخلاق ، وكتابنا الجامع لما في الكتب السالفة الناسخة لبعض أحكامها أفضل من سائر الكتب ، ونحن أيضاً لا ننكر نبياً من الأنبياء ، وكتاباً من الكتب ، وأنتم أنكرتم عيسى عليه السلام ودينه وكتابه وديننا ونبينا وكتابنا ، مع أنه مذكورُ في كتابكم ، وأنتم تعلمون حقيته وتنكرونه عناداً .