Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 21-27)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِنَّ لَكُمْ } أيها المتأملون في نعمنا ، المعتبرون في أنعامنا { فِي ٱلأَنْعَامِ } والدواب التي ينعمون بها من عندنا { لَعِبْرَةً } عظيمة إلى كمال قدرتنا وجلالة نعمتنا لو تعتبرون منها إذ { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } من الأخلاط والنبات لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ، مع أنه لا مناسبة بينهما { وَلَكُمْ } أيضاً { فيِهَا } أي : في الأنعام { مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } من ظهورها وأصوافها وأشعارها وأوبارها وغير ذلك { وَ } أيضاً { مِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ المؤمنون : 21 ] من لحومها تقوية لمزاجكم وتقويماً له . { وَ } بالجلمة { عَلَيْهَا } أي : على الأنعام في البر { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } في البحر { تُحْمَلُونَ } [ المؤمنون : 22 ] . وبعدما عدَّد سبحانه نعمه التي أنعم بها على بني آدم ، شرع في توبيخ من يكفر بها ولم يؤد حق شكرها فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا } من مقام لطفنا وجودنا { نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } حين انحرفوا عن جادة الاعتدال وانصرفوا عن الاستقامة { فَقَالَ } على مقتضى وحينا أياه منادياً إياه ليقلبوا إليه على مقتضى شفقة النبوة والرسالة وعطف الهدايا والإرشاد : { يٰقَوْمِ } أضافهم إلى نفسه إمحاضاً للنصح وإظهاراً لكمال الإشفاف { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] واعلموا أنه { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ } يعبد بالحق ويستحق بالعبادة { غَيْرُهُ أَ } تتخذون إلهاً سواه { فَلاَ تَتَّقُونَ } [ المؤمنون : 23 ] وتحذرون عن بطشه وانتقامه بأنواع العذاب والنكال . وبعدما ظهر بدعوى الرسالة وأظهر الدعوة على الوجه المذكور : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ } أي : الأشراف { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } باتخاذ الأوثان والأصنام آلهة عبدوها كعبادة الله لضعفاء العوام ترويجاً لكفرهم وتحقيراً لدعوته { مَا هَـٰذَا } الرجل الحقير المدعي للرسالة والنبوة من الله { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } بل أضعفكم حالاً وأدناكم عقلاً ومالاً { يُرِيدُ } مع حقارته ودناءته { أَن يَتَفَضَّلَ } ويتفوق { عَلَيْكُمْ } بهذه الدعوة الكاذبة والافتراء الباطل { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } إرسال رسول { لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } إذ هم أولى وأليق بالإرسال من عنده ، ولهم مناسبةُ مع الله بخلاف من البشر ، فإنهم لا مناسبةَ لهم معه سبحانه ، مع أنَّا { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي : برسالة البشر من الله { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [ المؤمنون : 24 ] أي : لم يعهد هذا في الزمان السابق أصلاً . بل { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي : ما هذا المدعي للرسالة من عند الله إلا رجلٌ عُرض له جنونُ فاختل دماغه وذهب عقله ؛ فيتخبطه الشيطان ويتفوه بأمثال هذه الهذيانات المستبعدة المستحيلة { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ } وأهملوه وانتظروا في أمره ، ولا تميلوا إليه ولا تلتفتوا نحوه { حَتَّىٰ حِينٍ } [ المؤمنون : 25 ] ليظهر لكم خبطه واختلاله ، أو يفيق عما هو عليه ويعود على ما كان . ثم لما سمع منهم نوح عليه السلام ما سمع من التجهيل والتسفيه أَيس منهم وقنط عن إيمانهم فـ { قَالَ } مشتكياً إلى الله مستعيناً منه : { رَبِّ } يا من ربَّاني بأنواع الكرم وأرسلني إلى هؤلاء الضالين عن سواء سبيلك لأرشدهم وأهديهم إلى توحيدك ، فبلغتُ ما أُرسلتُ به إياهم ، فلم يقبلوا مني فكذبوني وسفّهوني { ٱنصُرْنِي } بإهلاكهم وتعذيبهم { بِمَا كَذَّبُونِ } [ المؤمنون : 26 ] أي : بدل تكذيبهم إياي وسببه . { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } أنجازاً لما أوعدنا إياهم من العذاب والهلاك بعد تكذيبهم رسلونا وما جاء به من عندنا من الإيمان والتوحيد { أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } أي : أعمال السفينة ، ولا تخف عن فساها بعدم تعلمك من أحدٍ بل اصنعها { بِأَعْيُنِنَا } أي : يحفظنا إيَّاك نحفظك عن عروض الخطأ والفساد في صنعها { وَوَحْيِنَا } أي : بأمرنا وتعليمنا لك كيفية صنعها ، ولا تبال بتسفيههم واستهزائهم معك ونسيتك إلى الخبط والجنون وأنواع الأذيات { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } الوجوبي المتعلق بإغراقهم واستئصالهم { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } المعينُ المعهودُ ، فدلق ونبع الماء منه نبعةً { فَٱسْلُكْ } وأَدْخل على الفور فيها { فِيهَا } أي : في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : من نوع الحيوانات اثنين ذكراً وانثى ؛ إبقاءً لجميع الأنواع في العالم { وَ } اسلك أيضاً { أَهْلَكَ } ومن ينتمي إليك قرابةً وديناً { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } والحكم منَّا في لوح قضائنا بأنه من الهالكين { مِنْهُمْ } أي : من أهلك ، أي : أَدْخِل جميع أهلك سوى من مضى قضاؤنا بغرقه وإهلاكه وهو ابنه كنعان { وَ } بعدما سبق قضاؤنا لإهلاك من كفر من أهلك { لاَ تُخَاطِبْنِي } يا نوح ، ولا تدعُ إليّ في حق من سبق الحكم مني بغرقه ولا تسع { فِي } خلاص القوم { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } على أنفسهم بالعرض على عذابنا { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } [ المؤمنون : 27 ] معدودون من عدد الغرقى الهلكى ، ولا أثر لدعائك لهم بعدما صار الأمر منَّا مقضياً والحكم مبرماً .