Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 28-35)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ } يا نوح ، وتمكنت { وَمَن مَّعَكَ } من المؤمنين { عَلَى ٱلْفُلْكِ } وصرتم متمكنين متعززين عليها { فَقُلِ } شكراً لما أنعمنا عليك من إنجاز النصرة المعهودة الموعودة وإهلاك الله وغير ذلك من النعم العظام : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا } من كمال جوده وسعة رحمته { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ المؤمنون : 28 ] الخارجين عن مقتضى العقل والشرع عتواً وعناداً . { وَقُل } أيضاً بعدما مكنت على سفينة النجاة : { رَّبِّ أَنزِلْنِي } بفضلظ ولطفك { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } كثيرَ الخير والبركة { وَأَنتَ } من كمال جودك { خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } [ المؤمنون : 29 ] لو فرض مُنزِل غيرك مع أنه لا مُنزِلَ سواك ، ولا وجود لغيرك ؛ إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من قصة نوحٍ مع قومه ونجاته وإهلاكهم ، و تعليم صنع السفينة عليه ، وإخراج الماء من التنور المعهود ، وإحاطته على وجه الأرض كلها ، ونجاة من كان في سفينته وغير ذلك من الأمور البديعة { لآيَاتٍ } دلائلَ واضحات على كمال قدرتنا وإرادتنا واختبارنا في عموم أفعالنا على المعتبرين المتأملين في بدائع الأمور وغرائبه ، الناظرين بعيون العبرة والاستبصار في حدوث هذه الوقائع الهائلة { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } [ المؤمنون : 30 ] أي : أن الشأن والأمر أنَّا بإحداث هذه الحوادث مع قوم نوح لمختبرون مجرَّبون عموم عبادنا ؛ لننظر من يعتبر ويتعظ بها منهم ، وما هي إلا تذكرة وتذكير منا إياهم . { ثُمَّ } بعد إهلاك قوم نوح وإغراقهم { أَنشَأْنَا } وأظهرنا من ذرية من في سفينة نوح عليه السلام { مِن بَعْدِهِمْ } من بعد نوحٍ ، ومَن معه في السفينة { قَرْناً آخَرِينَ } [ المؤمنون : 31 ] هم عادُ وثمودَ فانحرفوا أيضاً عن جادة التوحيد . { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً } ناشئاً { مِّنْهُمْ } ابتلاءً لهم واختباراً لمن اعتبر منهم ، فقال على مقتضى وحينا وإلهامنا إياه : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد ، المستقل بالألوهية والوجود ، واعلموا أنه { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ } يُعبد له ويُرجع إليه { غَيْرُهُ أَ } تتخذون إلهاً غيره وتعبدون له ظلماً وزوراً ، وتتضرعون نحوه في الوقائع والخطوب { فَلاَ تَتَّقُونَ } [ المؤمنون : 32 ] عن غضبه ، ولا تخافون عن قهره وانتقامه . { وَ } بعدما بلّغهم الرسول الموحي به { قَالَ ٱلْمَلأُ } أي : الأشراف { مِن } قومه عتواً واستكباراً لضعفاء العوام ، وهم { قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله باتخاذ الأصنام آلهةً وأنكروا وحدة الإله { وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } ويوم الجزاء وجميع المواعيد الموعودة فيها { وَ } مع كفرهم وشركهم ، وإنكارهم بالنشأة الأخرى { أَتْرَفْنَاهُمْ } بوفور نعمنا إياهم { فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا } إمهالاً لهم : { مَا هَـٰذَا } المدَّعي الكاذب { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } لا مزيةَ له عليكم { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [ المؤمنون : 33 ] . { وَ } الله { لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً } فيما يأمركم من تلبيساته وتغريراته مع أنه { مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ } في إطاعتكم وانقيادكم لبني نوعكم { إِذاً لَّخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] خسراناً غظيماً لا خسرانَ أعظم منه ؛ إذ هو خسرانُ العقل والإدراك ، وتذليلُ النفس العزيزة بمثله تغريراً . { أَ } تسمعونه وتقَبلون منه إيها المجبولون على الدربة والدارية ما { يَعِدُكُمْ } من الخرافات المستبعدة عن الإدراكات ، وذلك { أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً } رفاتاً بحيث تفرقت أجزاؤكم إلى أن صارت هباءً وعدماً صرفاً { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } [ المؤمنون : 35 ] بعد هذا من التراب ، معادون إلى ما كنتم عليه ؟ ! .