Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 45-51)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ } بعد انقراض أولئك الحمقى والهلكى { أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ } ليكون رداءاً له وظهيراً مؤيدَين { بِآيَاتِنَا } الدالة على كمال قدرتنا ومتانة صنعنا وحكمتنا ؛ لتكون معجزةً خارقةً للعادة ، صادرةً عنه ، ملزمةً لمن يقابله { وَ } مع ذلك قويناهما بورود { سُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ المؤمنون : 45 ] أي : برهانٍ عقليٍ وحجةٍ واضحةٍ ساطعةٍ قاطعةٍ . { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أشراف قومه ، فبلّغا الموحى به إليهم ، وأظهروا الدعوة عندهم { فَٱسْتَكْبَرُواْ } عن قبوله عناداً وعتواً { وَ } هم { كَانُواْ } في أنفسهم { قَوْماً عَالِينَ } [ المؤمنون : 46 ] متجبرين متكبرين . وترقى أمر فرعون في الاستكبار إلى أن ادعى الربوبية والألوهية لنفسه { فَقَالُوۤاْ } بعدما سمعوا منهما ما سمعوا من الإيمان بالله ، والدعوة إلى توحيده ، والإتيان بالأعمال الصالحة ، والامتثال بالأوامر والاجتناب عن النواهي المنزلة في التوراة متشاورين بينهم مستبعدين عن أمرهما منهمكين معهما مستهزئين : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ } ونقبل منهما قولهما مع أنهما { مِثْلِنَا } في البشرية ، ولا مزيةَ لهما علينا بالمال والكمال { وَ } لا بالنسب ؛ إذ { قَوْمُهُمَا } الذين انتشأ منهم { لَنَا عَابِدُونَ } [ المؤمنون : 47 ] إلى الآن ونحن أربابهم مسلطون عليهم ، فكيف نؤمن ونقاد لهما بلا شرفهما حسباً ونسباً ؟ ! . { فَكَذَّبُوهُمَا } أشدَّ تكذيب وأنكروا عليهما ، ونسبوا ما أتيا من الحجج والمعجزات إلى السحر والشعبذة ، وظهروا عليهما ونسبوا ما أتيا من الحجج والمعجزات إلى السحر والشعبذة ، وظهروا عليهما بأشد العدوة والخصومات { فَكَانُواْ } بالآخرة بواسطة إنكارهم وتكذيبهم { مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } [ المؤمنين : 48 ] المستأصلين بالإغراق في بحرٍ قلزم أو النيل . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل { لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ } من كمال جودنا ولطفنا معه { ٱلْكِتَابَ } أي : التوراة الجامع لإصلاح الظاهر والباطن { لَعَلَّهُمْ } أي : قوم موسى { يَهْتَدُونَ } [ المؤمنون : 49 ] به إلى مقر التوحيد . { وَ } بعد انقضاء زمن موسى وانقراض أعدائه { جَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ } عيسى صلوات الرحمن عليه { وَأُمَّهُ } . رضي الله عنها . أي : كل واحدٍ منهما { آيَةً } دالةً على كمال قدرتنا وبدائع حكمتنا وغرائب صنعنا وقدرتنا ، جعلنا لعيسى من الخوارق والمعجزات ما لايخفى ، ولمريم أيضاً من الكرامات والإرهاصات الخارقة للعادة منها : الحمل بلا مسيس زوج ، وسقوطُ الثمرة من النخلة اليابسة لأجلها في محل الشتاء ، وحضورُ أنواع الأطعمة والفواكه عندها حال كونها في المحراب والأبواب مغلقة عليه مع أنها ما تشِبَّه بأطعمة الدنيا وفواكهها ، وغيرُ ذلك من الإرهاصات الغريبة . { وَ } بعدما أخرجهما الجاهلون عن منزلهما { آوَيْنَاهُمَآ } أي : أرجعناهما { إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [ المؤمنونن : 50 ] أي : إلى مكانٍ مرتفعٍ من الأ ض ، كثيرِ المأكل والمشارب يتنعم ويترفه ساكنوها فيها بلا ترددٍ واضطرابٍ في أمر المعاش ، قيل : هي بيت المقدس أو دمشق . ثم قال سبحاه مخاطباً لقاطبة رسله وأنبيائه أصالةً ، ولأممهم تبعاً منادياً لهم إسقاطاً منهم الرهبانية والزهدَ المفرط المؤديَ إلى تخريب الجسد وضعفِ القوى المدركة والمحركة عن مقتضاها ، وكذا جميع الآلات والجوارح المعمولة بها : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } يعني : نادى سبحانه كل واحد منهم في زمانه { كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } التي أنتجنا لكم مقدارَ ما يسدُّ جوعتكم ، ويعتدلُ به مزاجكم ، وأطيبُ مطاعمكم كسبُ أيديكم { وَ } بعدما اعتدل مزاجكم وقويَ قواكم { ٱعْمَلُواْ } عملاً { صَالِحاً } مقرِّباً لكم إلينا ، مصلِحاً لما في نفوسكم من مفاسد الأهوية الفاسدة وتسويلات الشياطين { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ } على وجه الإخلاص { عَلِيمٌ } [ المؤمنون : 51 ] أُجازيكم عليه ، سواءً تزهدون وتترهبون أو لا .