Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 64-71)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } ومتنعميهم { بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } [ المؤمنون : 64 ] أي : يستغيثون ويستعينون ؛ يعني هم في الراحة والرضا عنا غافلون ، وإذا أخذناهم بالبلاء والعناء ، فأجاءوا إلى الاستغاثة والاستعانة منا ، منصرفين إلينا ، متضرعين نحونا . لذلك يقال لهم طرداً ورداً : { لاَ تَجْأَرُواْ } أيها المسرفون ولا تستنصروا { ٱلْيَوْمَ } منا حين نزول { إِنَّكُمْ } العذاب بسبب غفلتكم عنا ، وإنكاركم علينا في يوم الراحة والرخاء { مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } [ المؤمنون : 65 ] أصلاً ، فاليوم لا ينفعكم دعاؤكم . وكيف تستنصرون عني أمَا تستحيون مني ؛ إذ { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي } الدالةُ على عظمة ذاتي وعلوٍّ شأني وشدةِ سلطنتي وسطوتي { تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } تلييناً لقلوبكم وإصلاحاً لعيوبكم { فَكُنتُمْ } من شدة عتوكم واستكباركم { عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } [ المؤمنون : 66 ] وترجعون رجوع القهقرى ، منصرفين عن سماعها . حال كونكم { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي : بالكتاب والآيات المندرجة فيه إلى حيث لا تذكرونه { سَامِراً } أيضاً ؛ أي : حاكياً به في الليل على ما هو عادتكم وسنتُكم المستمرة بينكم ؛ إذ كنتم تسمرون حول البيت في خلال الليل ، سيما بالأحاديث الحديثة الجديدة بل { تَهْجُرُونَ } [ المؤمنون : 67 ] وتتركون السمرَ به مطلقاًن حتى لا تسمعوا ذكر الآيات والكتاب أصلاً ، فكيف ما فيه من الأوامر والنواهي . ومع استكبارهم واستهزائكم بنا وبآياتنا وبرسلنا على أبلغ الوجوده وأشدها ، تستنصرون منا وتستغيثون إلينا ؟ { أَ } ينكر المشركون القرآن ، ويستكبرون به عناداً ومكابرة { فَلَمْ يَدَّبَّرُواْ } ولم يتأملوا حق التأمل { ٱلْقَوْلَ } أي : المقولَ والمسموعَ ؛ ليظهر لهم إعجازه ، ويتضح عندهم فصاحته وبلاغته الخارجة عن طور العقل وطوق البشر كي لا يبادروا إلى إنكاره وتكذيبه ، بل يصدقوه ويؤمنوا له وبمن جاء به . { أَمْ جَآءَهُمْ } أي : بل يعلمون لو تأملوا أنه جاءهم من الله كتابُ يخصلهم من العذاب الأخروي لو امتثلوا بما فيه مع أنه { مَّا لَمْ يَأْتِ } أي : كتابهم هذا شيءُ لم يأت مثله { آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ المؤمنون : 68 ] حتى يتأملوا فيه ، ويؤمنوا له فيخلصوا من العذاب ، فهؤلاء الحمقى الهلكى ، المنهمكون في الغيّ والضلال ، ويفوِّتون على أنفسهم الإيمان به والهداية بامتثال ما فيه ، حتى يستحقوا الخلاص والنجاة . { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } أي : بل لم يعرفوا من شدة شكيمتهم وبغضهم علوَّ شأن رسولهم ، وسموَّ برهاه ، وكمالَ عقله ورشده ، واعتدال أخلاقه وأطواره ، وإيفاءَه العهود والأمانات { فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ المؤمنون : 69 ] للجهل والعناد . { أَمْ يَقُولُونَ } وينسبون { بِهِ جِنَّةٌ } اختلالُ وخبطُ ، ومن اختلاله وخطبه ظهر منه أمثال هذه البدائع التي استحدثها من تخيلاته { بَلْ جَآءَهُمْ } رسولهم بجميع ما جاءهم ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } الصدقِ المطابقِ للوحي الإلهي { وَ } لكن { أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ المؤمنون : 70 ] وكونُهم على الباطل مائلون ، وإلى مشتهيات نفوسهم آيلون . { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ } والوحي { أَهْوَآءَهُمْ } الباطلةَ وآراءَهم الفاسدةَ { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } من ذوي الشعور والإدراك ، المتوجهين نحو الحق طوعاً ؛ من شؤم أعمالهم وسوء أفعالهم وقبح أخلاقهم وأطوارهم ، لذلك ما آتيناهم وأوحيناه على رسولهم ما هو مشتهى نفوسِهم ومقتضى أهوائهم { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } وتذكيرهم ، بذكرُ ماه هو الأصلح بحالهم والأليق بشأنهم من الأوامر والنواهي ، والوعد الوعيد ، والإنذار والتبشير ، والعبر والأمثال ، والقصص والآثار { فَهُمْ } من غاية عمههم وسكرتهم { عَن ذِكْرِهِمْ } المصلح لحالهم ، المنجي لنفوسهم من الوبال والنكال { مُّعْرِضُونَ } [ المؤمنون : 71 ] منصرفون عنه عتواً واستكباراً .